-قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله وهداه لنا ما كنا نسمع من رجال يهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا أنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسوله أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة {وَلَمَّا جَاءَهثمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الله مُصَدّقٌ لمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَاعَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرينَ} قال ابن هشام يستفتحون يستنصرون: ويستفتحون أيضاً يتحاكمون. وفي كتاب الله تعالى {رَبَّنَا أفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}
قال ابن اسحق وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش وكان سلمة من أصحاب بدر. قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل. قال فخرج علينا يوماً من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ من أحدث من فيه سناً علىَّ بردة لي مضطجع فيها بفناء أهلي فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار قال فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان أترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ويجزون فيها بأعمالهم، قال نعم والذي يحلف به. ولو دان له بحظه من تلك النار غداً. فقالوا له ويحك يا فلان فما آية ذلك قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد واشار بيده إلى مكة واليمن. قالوا ومتى تراه؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سناً. فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً. قال فقلنا له ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال بلى ولكن ليس به. قال ابن اسحق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال قال لي هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسد بن عبيد نفر من هدل خوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام قال قلت لا والله. فقال إن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة فنقول له كم؟ فيقول صاعاً من تمر أو مدَّين من شعير. قال فنخرجها ثم يخرج بنا ظارهر حرثنا فيستسقي الله لنا فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى. قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث. قال ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف أنه ميت قال يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمر إلى أرض البؤس والجوع؟ قال قلنا أنت أعلم. قال فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه وهذه البلدة مهاجره فكنت أرجوا أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه. -وكانوا شبابا أحداثا- يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان، قالوا ليس به، قالوا بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم. قال ابن اسحاق فهذا ما بلغنا عن أحبار يهود.