-اعترض بعض الذين كتبوا سيرة الرسول من المسيحين على كثرة أزواجه صلى الله عليه وسلم وزعموا أنه كان شهوانياً. والحقيقة أن كثرة أزواجه لم تكن بدافع شهواني فإنه أراد بذلك أن يوجد بينه وبين أصحابه وكبار قومه صلة قوية ورابطة متينة بواسطة المصاهرة لأن ذلك مما يساعده ويشد ازره للدفاع عن مبدئه السامي ونشر الدعوة إلى الإسلام.
أما أنه لم يكن شهوانياً فأمر لا ينكر وظاهر من حياته وأطواره لأنه صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وهو في عنفوان شبابه في سن الخامسة والعشرين ولم يتزوج غيرها إلى أن توفيت وكان عمره إذ ذاك خمسين سنة فإذا لم يكن إلى هذا العمر رجل شهوة بل كان رجلا قانعاً بزوجة واحدة فهل من العدل أن نقول أنه كان شهوانيا بعد ذلك؟
لم يكن رسول الله يعرف الفراغ بل كان في جهاد مستمر فلم يذق للراحة طعما من مبدأ الرسالة إلى أن مات فكان يقضي أوقاته في نشر الدعوة ومحاربة الوثنية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدفاع عن المسلمين وجمع شملهم وتعليمهم أمور دينهم وتثبيت دعائم المدنية الصحيحة الخالية من الشوائب ومكافحة الأعداء باللسان والسيف وكان مع ذلك يتعبد آناء الليل وأطراف النهار وعلى العموم فقد تحمل الأعباء ما تنوء به الجبال ولم تشغله كثرة نسائه عن عبادة ربه.
وأما أنه كان يقصد من تعدد زوجاته إيجاد روابط المصاهرة وتأليف القلوب لنشر الدعوة فهذا واضح أيضاً فإن زوجته (عائشة) هي بنت أبي بك الصديق و (حفصة) بنت عمر بن الخطاب وقد كان عرضها عمر بعد موت زوجها على أبي بكر وعثمان فأبيا زواجها فتزوجها رسول الله و (أم حبيبة) هي بنت أبي سفيان وقد كان من أكبر أعداء رسول الله ومن أشراف قريش وعدا ذلك قد كانت أم حبيبة كما تقدم اسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة وتنصر زوجها هنالك وأبت أن تتنصر معه فأكرمها النبي صلى الله عليه وسلم بزواجها.
وزوجته (ميمونة) هي بنت خالة خالد بن الوليد الذي صار من أعظم أبطال الإسلام وقوادهم الذين اكتسبوا شهرة خالدة وأما زوجته (صفية بنت حيي) فإنما تزوجها لأنها بنت ملك من ملوك اليهود فلا تصلح إلا له صلى الله عليه وسلم وقد تنافس المسلمون فيها لما وقعت في نصيب دحية بن خليفة الكلبي.
وقد كان رسول الله قوياً صحيح الجسم كما أنه ذا إرادة تفل الحديد وكان بشراً يأكل ويشرب ويشتهي وقد عصمه الله تعالى عن الزنوب. فلما رأى (زينب بنت جحش) وكانت عند مولاه زيد بن ثابت وطلقها زيد بعد أن كرهها تزوجها رسول الله لإبطال عادة التبني ونسخ تحريم الزواج بامرأة المتبنّي. هذا ملخص العلة في تعدد زوجاته بعد أن بلغ من العمر الخمسبن وبعد أن انقضى زمن شبابه، زمن حدة الشهوة.
على أن عقلاء الإفرنج أدركوا حقيقة هذه المسألة فردوا على ما افتراه بعضهم من قصار النظر. فقال الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل:
"وما محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به ظلما وعدوانا وشد ما نجور ونخطئ إذا حسبناه رجلا شهويا لا هم له إلا قضاء مآربه من الملاذ. كلا فما أبعد ما كان بينه وبين الملاذ اية كانت. لقد كان زاخداً متقشفا في مسكنه ومأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره وأحواله. وكان طعامه عادة الخبز وربما تتابعت الشهور ولم توقد بداره نار.
وأنهم ليذكروا ونعم ما يذكرون أنه كان يصلح ويرفو ثوبه بيده. فهل بعد ذلك مكرمة ومعجزة؟ فحبذا محمد من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله قائم النهار ساهر الليل، دائباً في نشر دين الله الخ".
هذا وقد كان لسليمان ثلاثمائة امرأة وثلثمائة سرية وقد كان لداود عليه السلام على زهده وأكله من عمل يده تسع وتسعون امرأة وتمت بزواج أورياء مائة.