للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-سلمان الفارسي أبو عبد الله ويعرف بسلمان الخير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصله من جيّ وهي مدينة أصفهان وكان اسمه قبل الإسلام مابه بن بوذخشان ابن مورسلان بن بهبوزان بن فيروز بن سهرك من ولد آب الملك وكان ببلاد فارس مجوسيا سادن النار (١) . وكان أبوه مجوسيا فاتفق أنه هرب منه يوما ولحق بالرهبان وصحبهم واحداً بعد واحد ثم قدم الحجاز عند ظهور النبي مع العرب فباعوه إلى يهودي من قريظة فأتى به المدينة فلما دخلها النبي أسلم وشهد معه أكثر المشاهد وأول مشاهده وقعة الخندق وكان من فضلاء الصحابة وزادهم وعلمائهم وذوي القربى من الرسول وهو الذي أشار على الرسول بحفر الخندق حين جاءت الأحزاب وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلمان منا أهل البيت" وكان يعمل الخوص بيده ويأكل من ثمنه وآخى الرسول بينه وبين أبي الدرداء وروى عنه جماعة من العلماء. توفي سنة ٣٥ للهجرة وقيل ٣٤ ودفن في المدائن شرقي بغداد وله مقام إزاء ايوان كسرى يزار حتى الآن ويعرف بمقام سلمان باك وهي لفظة فارسية معناها الطاهر وقيل عاش ١٥٠ سنة وقيل أكثر من ذلك وهو من معمري العرب

وهذه قصة إسلامه عن ابن عباس رضي الله عنه:

عن ابن عباس رضي الله عنه قال حدثني سلمان الفارسي وأنا اسمع من فيه قال كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان من جىّ ابن رجل من دهاقينها (٢) وكنت أحب خلق الله إليه فأجلسني في البيت كالجواري فاجتهدت في الفارسية (٣) وكان أبي صاحب ضيعة وكان له بناء يعالجه فقال لي يوا يا بني قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك. فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون فملت غليهم وأعجبني أمرهم وقلت هذا والله خير من ديننا فأقمت عندهم حتى غابت الشمس لا أنا أتيت الضيعة ولا رجعت إليه فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي. وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم اين أصل هذا الدين؟ قالوا بالشام. فرجعت إلى والدي. فقال يا بني قد بعثت إليك رسلا فقلت مررت بقوم يصلون بكنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم وعلمت أن دينهم خير من ديننا. فقال يا بني دينك ودين آبائك خير من دينهم. فقلت كلا والله. فخافني وقيدني فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم وسألتهم إعلامي من يريد الشام ففعلوا فألقيت الحديد من رجلي وخرجت معهم حتى أتيت الشام فسألتهم عن عالمهم فقالوا الأسقف فأتيته فأخبرته وقلت أكون معك أخدمك وأصلي معك. قال أقم. فمكثت مع رجل سوء في دينه كان يأمرهم بالصدقة فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً فتوفى فأخبرتهم بخبره فزجروني فدللتهم على ماله فصلبوه ولم ولم يغيبوه ورجموه وأجلسوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زاهداً ورغبة في الآخرة وصلاحاً فألقى الله حبه في قلبي حتى حضرته الوفاة فقلت أوصني فذكر رجلا بالموصل وكنا على أمر واحد حتى هلك فأتيت الموصل فلقيت الرجل فأخبرته بخبري وأن فلانا أمرني بإتيانك فقال. أقم. فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة. فقلت له أوصني فقال. ماأعرف أحداً على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية فأتيته بعمورية (٤) فأخبرته بخبري فأمرني بالمقام وثاب لي شيئا واتخذت غنيمة وبقرات فحضرته الوفاة فقلت إلى من توصي بي؟ فقال لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية مهاجره بأرض ذات نخل وبه آيات وعلامات لا تخفى بين منكبيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت فتخلص إليه. فتوفي. فمر بي ركب من العرب من بني كلاب فقلت أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه وتحملوني إلى بلادكم فحملوني إلى وادي القرى فباعوني من رجل من اليهود. فرأيت النخل فعلمت أنه البلد الذي وصف لي فأقمت عند الذي اسشتراني وقدم عليه رجل من بني قريظة فاشتراني منه وقدم بي المدينة فعرفتها بصفتها فأقمت معه أعمل في نخله وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة فنزل في بني عمرو بن عوف. فأني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي (٥) فقال أي فلان قاتل الله بني قيلة (٦) مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي. فو الله ما هو إن سمعتها، فأخذني القر ورجفت بي النخلة حتى كدت أسقط ونزلت سريعا فأقبلت على عملي حتى أمسيت فجمعت شيئا فأتيته به وهو بقباء عند أصحابه فقلت اجتمع عندي. أردت أن أتصدق به فبلغني أنك رجل صالح ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة فرأيتهم أحق به فوضعته بين يديه فكف يده وقال لأصحابه كلوا فأكلوا. فقلت هذه واحدة ورجعت وتحول إلى المدينة فجمعت شيئا فأتيته به فقلت أحببت كرامتك فأهديت لك هدية وليست بصدقة فمد يده فأكل وأكل أصحابه فقلت هاتان اثنتان ورجعت فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد (٧) وحوله أصحابه. فسلمت وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره فعلم ما أردت فألقى رداءه فرأيت الخاتم فقبلته وبكيت فأجلسني بين يديهفحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس فأعجبه ذلك وأحب أن يسمعه أصحابه ففاتني معه بدر وأحد بالرق فقال لي كاتب يا سليمان عن نفسك فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته على أن أغرس له ثلثمائة ودية (٨) وعلى أربعين أوقية من ذهب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعينوا أخاكم بالنخل فأعانوني بالخمس والعشر حتى اجتمع لي فقال لي نقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي ففعلت فأعانني أصحابي حتى فرغت فأتيته فكنت آتيه بالنخلة فيضعها ويسوي عليها ترابا فانصرف والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة وبقي الذهب فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن. فقال ادع سلمان المسكين الفارسي الكاتب. فقال أدّ هذه. فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما على (٩)

هذه قصة سلمان الفارسي وهي كما يتضح للقارئ المنصف معقولة وليس فيها شيء من المبالغة ويلاحظ أن سلمان كان من صغره ميالا إلى التدين والتقشف فصاحب كبارا أهل الدين وتعلم منهم وهذه القصة تدل على صدق رسالة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لأن سلمان ما عرف النبي إلا بالعلامات التي أخبره بها صاحبه بعمورية ولم يسلم إلا بعد ان تحقق صحة هذه العلامات فيه صلى الله عليه وسلم. ومن المحقق من ترجمة حياة سلمان أن أباه كان مجوسيا من بلاد الفرس وأنه هرب منه ولحق بالرهبان وصاحبهم واحداً بعد واحد إلى أن لقي النبي صلى الله عليه وسلم

ونلاحظ أن سلمان لم يذكر أسماء الرهبان أو الأساقفة الذين كان يلازمهم وإن كان قد ذكر بلادهم

وشهد رسول الله لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الألهي والعصمة حيث قال "سلمان منا أهل اليت" وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كان الأيمان بالثريا لناله رجال من فارس" واشار إلى سلمان الفارسي


(١) راجع سيرة ابن هشام وأسد الغابة لابن الأثير.
(٢) دهاقين جمع دهقان وهو شيخ القرية.
(٣) وفي حديث علي بن جابر "في المجوسية".
(٤) عمورية بفتح أوله وتشديد ثانيه. بلد في بلاد الروم فتحها المعتصم سنة ٢٢٣.
(٥) كان ذلك في يوم الجمعة ١٦ ربيع الأول بعد وصول رسول الله إلى المدينة باربعةأيام (٢ يولية سنة ٦٢٢ م) .
(٦) بني قيلة: يريد عرب المدينة.
(٧) بقيع الغرقد والغرقد كبار العوسج وبقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة وهي داخل المدينة.
(٨) الودية واحدة الوادي صغار الفسيل.
(٩) راجع الجزء الثاني من أسد الغابة لابن الأثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>