للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (٢) وهو يحدث عن فترة الوحي فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك (٣) الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فربت منه فرجعت (٤) فقلت زملوني زملوني فأنزل الله تعالى {يَأَيُّهَا المُدَّثِّرُ (٥) قُمْ فَأَنْذِرْ (٦) وَرَبِّكض فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهَِرْ وَالرُّجْزَ (٧) فَاهْجُرُ} فحمى الوحي (٨) وتتابع

قال اين اسحق ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في شهر رمضان يقول الله تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} وقال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ... لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ... تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} وقال الله تعالى {حم وَالْكِتَابِ المُبينِ ... إِنَّا أَنْزَلْنَاهْ فِي لَيْلةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كْنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ... أَمْراً مِنْ عَنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين} وقال تعالى {إِنْ كُنْتمْ آمَنتُمْ بِالله وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرقَانِ يَوْمَ الْتَقَىَ الْجَمعَانِِ} وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ببدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان.

ولما فتر الوحي حزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديداً غدا منه مراراً كي يتردى من روءس الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه. وكانت مدة فترة الوحي ثلاث سنين كما جزم به ابن اسحاق ثم نزل عليه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به وما ودعه وما قلاه، فقال تعالى {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ... مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ... وَلَلآخِرَة خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ... وَلَسَوْفَ يُعْطِكَ رَبُكَ فَترْضَى ... أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِماً فَآوَى ... وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى ... وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} يعرفه الله أنه ما قطعه قطع المودع وما أبغضه.

روى أن الوحي لما تأخر عنه قال المشركون أن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت رداً عليهم. {وَلَلآخِرَة خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} فإنها باقية خالصة من الشوائب وهذه فانية مشوبة بالمضار.

أول من آمن به

أول من آمن به من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان، علي ومن النساء خديجة، ومن الموالى زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال.


(١) فترة الوحي. احتباس الوحي عن النزول.
(٢) توفي جابر بعد أن عمي سنة أربع وسبعين وهو آخر الصحابة موتا بالمدينة وله في البخاري تسعون حديثاً.
(٣) جبريل.
(٤) إلى أهلي بسبب الرعب.
(٥) التدثير والتزميل بمعنى واحد.
(٦) اقتصر على الإنذار لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الاسلام ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه.
(٧) الأوثان.
(٨) كثر نزول الوحي بعد هذه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>