١٥٢٣ - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: مَا كَانَ مِنَ الْفَوَاكِهِ وَالْخَضِرِ، فَإِنَّمَا صَدَقَتُهَا فِي أَثْمَانِهَا حِينَ تُبَاعُ، صَدَقَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ
١٥٢٤ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا أَعْرِفُ الْيَوْمَ أَحَدًا يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَلَا الْعِرَاقِ، وَلَيْسَ يُمْكِنُ فِي النَّظَرِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، وَكَيْفَ تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِي الْفَرْعِ، وَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنِ الْأَصْلِ؟ وَإِنَّمَا الْفُرُوعُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأُصُولِ، تَابِعَةٌ لَهَا؟ وَهَلِ الْخَضِرُ - إِذَا كَانَتْ لَا تَجِبُ فِيهَا صَدَقَةٌ بِأَعْيَانِهَا - إِلَّا كَالْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ الَّتِي لَا صَدَقَةَ فِي شُخُوصِهَا؟ فَهَلْ تَكُونُ الصَّدَقَةُ فِي أَثْمَانِهَا إِذَا بِيعَتْ إِلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ تُقْبَضُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ؟ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ لَا صَدَقَةَ فِي أَثْمَانِهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ.
١٥٢٥ - وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ عِنْدِي لَا صَدَقَةَ فِيهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ بِهَا أَشْبَهُ مِنْهُ ⦗٦٠٦⦘ بِالْأَطْعِمَةِ الَّتِي سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الصَّدَقَةَ مِنَ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَلَا أَرَاهُ أَيْضًا يُشْبِهُ الْقَطَانِيَّ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّدَقَةَ مَنْ أَوْجَبَهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ يَابِسَةٌ تُدَّخَرُ، وَهَذَا رَطْبٌ يَفْسَدُ وَيَتَغَيَّرُ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِهُ مِنْهَا شَيْئًا فَلَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ أَشْبَهَ مِنْهُ بِالسِّمْسِمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَمِيعًا تُؤْكَلُ ثَمْرَتُهُمَا، وَيُؤْتَدَمُ بِعَصِيرِهِمَا.
١٥٢٦ - وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ وَهُوَ مَعْدِنُ السِّمْسِمِ فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَمَرَهُ فِي حَبِّهِ، وَلَا دُهْنِهِ بِشَيْءٍ.
١٥٢٧ - وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ، لَمْ يَأْتِنَا عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَيَسْتَحِبُّهُ فِي طَعَامِهِ، وَيَأْمُرُ بِالِادِّهَانِ بِهِ فِيمَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ نَزَلَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَمْ يَسُنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً عَلِمْنَاهَا، وَلَا ذَكَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ صَدَقَاتِهِ حِينَ ذَكَرَ الثِّمَارَ، وَعُشُورَ الْأَرَضِينَ.
١٥٢٨ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالزَّيْتُونُ عِنْدَنَا مِمَّا عَفَا عَنْهُ، كَعَفْوِهِ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْفَوَاكِهِ، وَلَا صَحَّ مَعَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ لَا نَرَاهُ مَحْفُوظًا؛ لِأَنَّ اللَّيْثَ يُحَدِّثُهُ ⦗٦٠٧⦘ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَا يَرْفَعُهُ إِلَى عُمَرَ، وَلَوْ كَانَ أَيْضًا مَحْفُوظًا مَا كَانَ أَيْضًا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ.
١٥٢٩ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ - وَإِنْ كَانَ أَمْثَلَ إِسْنَادًا مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّ فِيهِ مَقَالَا.
١٥٣٠ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعَ هَذَا، إِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ صَدَقَةِ مَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ، حِينَ ذَكَرُوا الْأَصْنَافَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، مِمَّا تُخْرِجُ الْأَرْضُ، فَسَمَّوْهَا، وَأَسْقَطُوا الصَّدَقَةَ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي الزَّيْتُونِ شَيْئًا، فَصَارَ هَذَا رَأْيَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا، مَعَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.
١٥٣١ - ثُمَّ هُوَ رَأْيُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ، عَلَى مَذْهَبِهِمَا.
١٥٣٢ - وَكَذَلِكَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمَّيْنَ جَمِيعًا فِي الْعَسَلِ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ خَصُّوا مَا رَأَوْهَا تَجِبُ فِيهِ، وَأَلْغَوْا مَا سِوَى ذَلِكَ، فَالْعَسَلُ مِمَّا أَسْقَطُوهَا عَنْهُ ⦗٦٠٨⦘، مَعَ تَأْوِيلِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَاذٍ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ فِي الْعَسَلِ بِشَيْءٍ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، وَهِيَ بِلَادُ الْعَسَلِ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ بِإِسْقَاطِ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، وَجَاءَتْ تِلْكَ الْأُخْرَى الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِإِيجَابِهَا فِيهِ، فَاعْتَدَلَ الْوَجْهَانِ فِي الْعَسَلِ.
١٥٣٣ - وَأَشْبَهُ الْوُجُوهِ فِي أَمْرِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ أَرْبَابُهُ يُؤْمَرُونَ بِأَدَاءِ صَدَقَتِهِ، وَيُحَثُّونَ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ لَهُمْ مَنْعُهَا، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِمُ الْمَأْثَمُ فِي كِتْمَانِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا، كَوُجُوبِ صَدَقَةِ الْأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ، وَلَا يُجَاهَدُ أَهْلُهُ عَلَى مَنْعِ صَدَقَتِهِ، كَمَا يُجَاهَدُ مَانِعُو ذَيْنِكَ الْمَالَيْنِ.
١٥٣٤ - وَذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ كَمَا صَحَّتْ فِيهِمَا، وَلَا وُجِدَتْ فِي كُتُبِ صَدَقَاتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ بِمَنْزِلَتِهِمَا.
١٥٣٥ - قَالَ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ السُّلْطَانُ قَدْ أَجْبَرَهُ عَلَى نَفَقَتِهِمْ، فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ إِجْبَارًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا تَأْوِيلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنِ دَاوُدَ فِي مَعْنَى الْعِيَالِ، وَهُمَا مَذْهَبَانِ لِمَنْ شَاءَ.
١٥٣٦ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي أَخْتَارَ فِيهِ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا عِنْدِي إِنَّمَا هُوَ كُلُّ مَا كَانَ عَوْلُهُ فَرْضًا عَلَى الْعَائِلِ وَاجِبًا، لَا يَسَعُهُ تَضْيِيعُهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَرَ الصَّدَقَةَ، فَقَالَ: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . ثُمَّ جَاءَنَا ⦗٦٠٩⦘ عَنْهُ ذَلِكَ مُفَسَّرًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ. أَوْ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ