للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦١٥ - قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَقَالَ: فَرِّقْ بَيْنَ عَشَرَةٍ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، فَقَالَ: مُدَّانِ لِإِدَامِهِ وَحَطَبِهِ

١٦١٦ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَفَسَّرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَذْهَبَ مُجَاهِدٍ أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. قَالَ: وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَالصَّاعُ ⦗٦٢٧⦘ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، اثْنَا عَشَرَ مُدًّا، فَتُقَسَّمُ هَذِهِ كُلُّهَا بَيْنَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، فَيَكُونُ عَشَرَةٌ مِنْهَا لِطَعَامِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ، وَيَكُونُ الْمُدَّانِ زِيَادَةً مُتَفَرِّقَةً بَيْنَهُمْ، لِمَا يَلْزَمُ الطَّعَامُ مِنْ مَؤُونَةِ الْأُدْمِ وَالْحَطَبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ.

١٦١٧ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَعَلَى هَذَا الصَّاعِ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ، تَدُورُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَا يَنُوبُهُمْ مِنْ أَمْرِ الْكَيْلِ فِي دِينِهِمْ. مِنْ ذَلِكَ زَكَاةُ الْأَرَضِينَ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَفِدْيَةُ النُّسُكِ. وَقَدْ عَايَرْتُ مِكْيَالَنَا هَذَا الْمُلْجَمَ، الَّذِي يَعْتَمِلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، فَإِذَا هُوَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ إِذَا مَسَحْتَ أَعْلَاهُ، عَلَى مَا يُكَالُ الْيَوْمَ فِي الْأَسْوَاقِ.

١٦١٨ - فَأَمَّا زَكَاةُ الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِهَذَا الْمَكُّوكِ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَ سَقْيُهَا بَعْلًا أَوْ غَيْلًا فَالْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ بِالنَّوَاضِحِ وَالْغَرْبِ فَنِصْفُ الْعُشْرِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، فَجَمِيعُهَا ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَهِيَ عِشْرُونَ وَمِائَةُ مَكُّوكٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَعْلَمْتُكَ صَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَمَبْلَغُهَا مِنْ أَقْفِزَتِنَا هَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَفِيزًا سَوَاءٌ. فَهَذِهِ صَدَقَةُ الْأَرَضِينَ.

١٦١٩ - وَأَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَإِنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ جَعَلَهَا بُرًّا، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهَا تَمْرًا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ زَبِيبًا، فَإِنِ اخْتَارَ التَّمْرَ، أَوِ الشَّعِيرَ، أَوِ الزَّبِيبَ، فَإِنَّ هَذَا الْمَكُّوكَ يُجْزِي عَنْ نَفْسَيْنِ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّهُ صَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَإِنِ اخْتَارَ الْبُرَّ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ لَهُ أَنْ لَا يَنْتَقِصَ مِنْ مَكِيلَةِ الصَّاعِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ⦗٦٢٨⦘ أَكْثَرَ الْآثَارِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، وَإِنْ جَعَلَهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ كَانَ مُجْزِيًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَصَاعُ تَمْرٍ، أَوْ صَاعُ شَعِيرٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ، وَإِنْ كَانَ مُجْزِيًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِلِاتِّبَاعِ.

١٦٢٠ - وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَاحِدَ بِهَذَا الْمَكُّوكِ بُرًّا كَافِيهِ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّهُ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ كَمَا أَعْلَمْتُكَ، فَيَكُونُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ. هَذَا عَلَى مَذْهَبِنَا.

١٦٢١ - وَأَمَّا مَنْ جَعَلَهُ نِصْفَ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، رَأَى عَلَيْهِ مَكُّوكَيْنِ بِهَذَا بَيْنَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.

١٦٢٢ - وَأَمَّا فِدْيَةُ الْمَنَاسِكِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الثِّيَابِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِهِ الْفِدْيَةُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ، وَأَهْلَ الْعِرَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ أُولَئِكَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. وَلِهَذَا مَوْضِعٌ سِوَى هَذَا، يَأْتِي فِيهِ مُفَسَّرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

١٦٢٣ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَدْ فَسَّرْنَا مَا فِي الصَّاعِ مِنَ السُّنَنِ، وَهُوَ كَمَا أَعْلَمْتُكَ ⦗٦٢٩⦘ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَالْمُدُّ رُبُعُهُ، وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَذَلِكَ بِرِطْلِنَا هَذَا الَّذِي وَزْنُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَوُزِنَ فِي الدَّرَاهِمِ. وَمَعْرِفَةِ وَزْنِهَا عِلْمٌ أَيْضًا.

١٦٢٤ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَمْرِ النَّاسِ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَذَا الشَّأْنِ يَذْكُرُ قِصَّةَ الدَّرَاهِمِ وَسَبَبَ ضَرْبِهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: إِنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَتْ نَقَدَ النَّاسُ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ لَمْ تَزَلْ نَوْعَيْنِ: هَذِهِ السُّودَ الْوَافِيَةَ، وَهَذِهِ الطَّبَرِيَّةَ الْعُتُقَ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَهِيَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ وَأَرَادُوا ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ، نَظَرُوا فِي الْعَوَاقِبِ، فَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ تَبْقَى مَعَ الدَّهْرِ، وَقَدْ جَاءَ فَرْضُ الزَّكَاةِ أَنَّ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ أَوْ فِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقِيَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ، فَأَشْفَقُوا إِنْ جَعَلُوهَا كُلَّهَا عَلَى مِثَالِ السُّودِ، ثُمَّ فَشَا فُشُوًّا بَعْدُ، لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهَا، أَنْ يَحْمِلُوا مَعْنَى الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى تَبْلُغَ تِلْكَ السُّودُ الْعِظَامُ مِائَتَيْنِ عَدَدًا فَصَاعِدًا، فَيَكُونَ فِي هَذَا بَخْسٌ لِلزَّكَاةِ، وَأَشْفَقُوا إِنْ جَعَلُوهَا كُلَّهَا عَلَى مِثَالِ الطَّبَرِيَّةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ عَدَدًا حَلَّتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَيَكُونُ فِيهَا اشْتِطَاطٌ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَأَرَادُوا مَنْزِلَةً بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِيهَا كَمَالُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِالنَّاسِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ هَذَا مُوَافِقًا وَقْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَبْلَ ذَلِكَ يُزَكُّونَهَا شَطْرَيْنِ: مِنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ. فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى ضَرْبِ الدَّرَاهِمِ نَظَرُوا إِلَى دِرْهَمٍ وَافٍ، فَإِذَا هُوَ ثَمَانِيَةُ ⦗٦٣٠⦘ دَوَانِيقَ، وَإِلَى دِرْهَمٍ مِنَ الصِّغَارِ، فَكَانَ أَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ، فَحَمَلُوا زِيَادَةَ الْأَكْبَرِ عَلَى نَقْصِ الْأَصْغَرِ، فَجَعَلُوهُمَا دِرْهَمَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ، كُلُّ وَاحِدٍ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، ثُمَّ اعْتَبَرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ، وَلَمْ يَزَلِ الْمِثْقَالَ فِي آبَادِ الدَّهْرِ مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا، فَوَجَدُوا عَشَرَةً مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي وَاحِدُهَا سِتَّةُ دَوَانِيقَ، ثُمَّ اعْتَبَرُوهَا بِالْمَثَاقِيلِ تَكُونُ وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ سَوَاءً، فَاجْتَمَعَتْ فِيهِ وُجُوهٌ ثَلَاثَةٌ: أَنَّهُ وَزْنُ سَبْعَةٍ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَا وَكْسَ فِيهِ، وَلَا شَطَطَ. فَمَضَتْ سُنَّةُ الدِّرْهَمِ عَلَى هَذَا، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، فَلَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّ الدِّرْهَمَ التَّامَّ هُوَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، فَمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ قِيلَ: دِرْهَمٌ زَائِدٌ وَنَاقِصٌ. فَالنَّاسُ فِي زَكَاتِهِمْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ وَالْهُدَى، لَمْ يَزِيغُوا عَنْهُ، وَلَا الْتِبَاسَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْمُبَايِعَاتُ وَالدِّيَاتُ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ، وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فِيهِ. هَذَا كَمَا بَلَغَنَا، أَوْ كَلَامٌ هَذَا مَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ هَذَا وَزْنَ سِتَّةٍ. بِذَلِكَ جَاءَ ذِكْرُهَا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ

<<  <   >  >>