للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٧٦ - وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ مِنْ هَذَا قَوْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ: إِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاشِرِ لِتِجَارَةٍ، أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِائَتَيْنِ. قَالَ: وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ قَوْلَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ إِنْ مَرَّ بِفَاكِهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ أَوْ لَا يَبْقَى، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ.

١٦٧٧ - قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ، وَإِنْ مَرَّ بِمَالِهِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا ⦗٦٤٤⦘ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَهَا وُجُوهٌ.

١٦٧٨ - فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَالُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالصَّدَقَةِ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ عُمَرَ حِينَ سَمَّى مَا يَجِبُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الَّتِي تُدَارُ لِلتِّجَارَاتِ إِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَذَا. وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي أَدْنَى مَبْلَغِ الْمَالِ وَقْتًا. قَالُوا: ثُمَّ رَأَيْنَاهُ قَدْ ضَمَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا حَمَلَنَا وَقْتَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الزَّكَاةِ إِذْ كَانَ لِأَدْنَى الزَّكَاةِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَهُوَ الْمِائَتَانِ فَأَخَذْنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَا، وَأَلْغَيْنَا مَا دُونَ ذَلِكَ.

١٦٧٩ - وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي تَرْكِ النَّظَرِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، وَأَخْذِهِمْ مِمَّا دُونَهَا قَالُوا: إِنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَبْلَغِهَا وَإِلَى حَدِّهَا، إِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَدْنَى مَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ وَقْتٌ مُؤَقَّتٌ، وَعَلَى ذَلِكَ صُولِحُوا؟ قَالُوا: فَكَذَلِكَ مَا مَرُّوا بِهِ مِنَ التِّجَارَاتِ، يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا كَانَتْ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.

١٦٨٠ - وَأَمَّا سُفْيَانُ فِي تَوْقِيتِهِ الْمِائَةَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهَا، وَيُتْرَكَ مِمَّا دُونَهَا، فَمَذْهَبُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْمُوَظَّفَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ هُوَ الضِّعْفُ مِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فِي كُلِّ ⦗٦٤٥⦘ مِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ، جَعَلَ فَرْعَ الْمَالِ عَلَى حَسَبِ أَصْلِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَةِ خَمْسَةً، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ؛ لِيُوَافِقَ الْحُكْمُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَأَسْقَطَ مَا دُونَ الْمِائَةِ، كَمَا عَفَا لِلْمُسْلِمِينَ عَمَّا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، فَصَارَتِ الْمِائَةُ لِلذِّمِّيِّ كَالْمِائَتَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ سَوَاءً. فَهَذَا رَأْيُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا وَقَّتَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: إِذَا مَرَّ أَحَدُهُمْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ. وَقَوْلُ سُفْيَانَ هُوَ عِنْدِي أَعْدَلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَأَشْبَهُهَا بِالَّذِي أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ إِلَى زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. فَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ إِنَّمَا هِيَ مَعْدُولَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الزَّكَاةِ. وَهُوَ عِنْدَنَا تَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ تَفْسِيرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا فِي هَذَا مُفَسِّرٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. فَهَذَا مَا فِي تَوْقِيتِ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُقُوقُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ.

١٦٨٣ - وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ، وَمَا كَانَ مِنَ اخْتِيَارِ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ قَبُولَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالَّذِي كَانَ مِنْ إِنْكَارِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ ذَلِكَ، وَقَوْلِهِمْ ⦗٦٤٦⦘: إِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ. فَإِنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَأَقُولُ: إِنْ كَانَ لَهُ شُهُودٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دَيْنِهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لِرَبِّهِ عَلَيْهِ، فَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ فِي عُنُقِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُحْصَى أَهْلُ هَذَا الْحَقِّ، فَيُقْدَرُ عَلَى قَسْمِ مَالِ الذِّمِّيِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَذَا الْغَرِيمِ بِالْحِصَصِ، وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَقَدْ عُلِمَ حَقُّ الْغَرِيمِ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ أَوْلَى بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ دَيْنُ هَذَا الذِّمِّيِّ إِلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ يُرِيدُ إِبْطَالَهُ بِالدَّعْوَى، وَلَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ فِي ذَلِكَ كَمَا يُؤْتَمَنَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى زَكَاتِهِمْ فِي الصَّامِتِ، إِنَّمَا هَذَا فَيْءٌ، وَحُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ الصَّدَقَةِ.

١٦٨٤ - وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَمَرِّهِ عَلَى الْعَاشِرِ مِرَارًا فِي السَّنَةِ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيهِ إِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ إِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، إِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مِنْ مِصْرٍ إِلَى مِصْرٍ آخَرَ سِوَاهُ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا عَنِ الْإِمَامَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ كَفَتْنَا النَّظَرَ فِيهِ

<<  <   >  >>