٤٦٦ - قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الشَّامِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ قَدْمَةً، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ مَدِينَةٌ يُقَالَ لَهَا ⦗٢٢١⦘: عرْبَ السوسِ، وَإِنَّهُمْ لَا يُخْفُونَ عَلَى عَدُوِّنَا مِنْ عَوَرَاتِنَا شَيْئًا، وَلَا يُظْهِرُونَنَا عَلَى عَوَرَاتِهِمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِذَا قَدِمْتَ فَخَيِّرِهُمْ بَيْنَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ مَكَانَ كُلِّ شَاةٍ شَاتَيْنٍ، وَمَكَانَ كُلِّ بَعِيرٍ بَعِيرَيْنٍ، وَمَكَانَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئَيْنِ فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ فَأَعْطِهِمْ، وَخَرِّبْهَا فَإِنْ أَبَوْا فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَأَجِّلْهُمْ سَنَةً، ثُمَّ خَرِّبْهَا، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي عَهْدًا بِذَلِكَ، فَكَتَبَ لَهُ عَهْدًا، فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ عَلَيْهِمْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَبَوْا فَأَجَّلَهُمْ سَنَةً ثُمَّ أَخْرَبَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذِهِ مَدِينَةٌ بِالثَّغْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَدَثِ يُقَالَ لَهَا: عَرْبَ سُوس، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ هُنَاكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ، فَصَارُوا إِلَى هَذَا، وَإِنَّمَا نَرَى عُمَرَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا عَرَضَ مِنَ الْجَلَاءِ، وَأَنْ يُعْطُوا الضِّعْفَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِهِمْ، أَوْ أَنَّ النَّكْثَ كَانَ مِنْ طَوَائِفَ مِنْهُمْ دُونَ إِجْمَاعِهِمْ وَلَوْ أَطْبَقَتْ جَمَاعَتُهُمْ عَلَيْهِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا الْقِتَالَ وَالْمُحَارَبَةَ، وَقَدْ كَانَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا قَرِيبًا الْآنَ فِي دَهْرِ الْأَوْزَاعِيِّ بِمَوْضِعٍ بِالشَّامِ، يُقَالَ لَهُ: جَبَلُ اللُبْنَانَ، وَكَانَ بِهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ فَأَحْدَثُوا حَدَثًا، وَعَلَى الشَّامِ يَوْمَئِذٍ ⦗٢٢٢⦘ صَالِحُ بْنُ عَلِيٍّ، فَحَارَبَهُمْ وَأَجْلَاهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ، فِيمَا ذَكَرَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْهُ، بِرِسَالَةٍ طَوِيلَةٍ، فِيهَا:
٤٦٧ - قَدْ كَانَ مِنْ إِجْلَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، مِنْ أَهْلِ جَبَلِ لُبْنَانَ، مِمَّا لَمْ يَكُنْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ خُرُوجُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ، وَلَمْ تُطْبِقْ عَلَيْهِ جَمَاعَتُهُمْ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ طَائِفَةً، وَرَجَعَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى قَرَاهُمْ، فَكَيْفَ تُؤْخَذُ عَامَّةٌ بِعَمَلِ خَاصَّةٍ؟ فَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؟ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْخَاصَّةَ بِعَمَلِ الْعَامَّةِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَأَحَقُّ مَا اقْتُدِيَ بِهِ وَوُقِفَ عَلَيْهِ حُكْمُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَأَحَقُّ الْوَصَايَا بِأَنْ تُحْفَظَ وَصِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ: مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ، مَنْ كَانَتْ لَهُ حُرْمَةٌ فِي دَمِهِ فَلَهُ فِي مَالِهِ وَالْعَدْلُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِعَبِيدٍ فَتَكُونُوا مِنْ تَحْوِيلِهِمْ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فِي سَعَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ أَحْرَارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ، يُرْجَمُ مُحْصِنُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَيُحَاصُّ ⦗٢٢٣⦘ نِسَاؤُهُمْ نِسَاءَنَا مِنْ تَزَوَّجَهُنَّ مِنَّا الْقَسَمُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِدَّةُ سَوَاءٌ - ثُمَّ ذَكَرَ رِسَالَةً طَوِيلَةً،
٤٦٨ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثٌ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالرُّومِ، قَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ صَالَحَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ عَلَى خَرْجٍ يُؤَدُّونَهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مَعَ هَذَا يُؤَدُّونَ إِلَى الرُّومِ خَرْجًا أَيْضًا، فَهُمْ ذِمَّةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ عَلَى الثُّغُورِ، فَكَانَ مِنْهُمْ حَدَثٌ أَيْضًا، أَوْ مِنْ بَعْضُهُمْ، رَأَى عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ ذَلِكَ نَكْثٌ لِعَهْدِهِمْ وَالْفُقَهَاءُ يَوْمَئِذٍ مُتَوَافِرُونَ، فَكَتَبَ إِلَى عِدَّةٍ مِنْهُمْ يُشَاوِرُهُمْ فِي مُحَارَبَتِهِمْ، فَكَانَ مِمَّنْ كَتَبَ إِلَيْهِ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، وَمَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ، فَكُلُّهُمْ أَجَابَهُ عَلَى كِتَابِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَوَجَدْتُ رَسَائِلَهُمْ إِلَيْهِ قَدِ اسْتُخْرِجَتْ مِنْ دِيوَانِهِ، فَاخْتَصَرْتُ مِنْهَا الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادُوهُ وَقَصَدُوا لَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِي الرَّأْيِ، إِلَّا أَنَّ مَنْ أَمَرَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ، وَإِنْ غَدَرَ بَعْضُهُمْ، أَكْثَرُ مِمَّنْ أَشَارَ بِالْمُحَارَبَةِ، فَكَانَ مما كَتَبَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ لَمْ نَزَلْ نَتَّهِمُهُمْ بِالْغِشِّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُنَاصَحَةِ لَأَهْلِ الرُّومِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨] وَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا تَنْبِذْ إِلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَبِينَ خِيَانَتَهُمْ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْبِذَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ يُنْظَرُوا سَنَةً يَأْتَمِرُونَ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْهُمُ اللِّحَاقَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً ⦗٢٢٤⦘ يُؤَدِّي الْخَرَاجَ فَعَلَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَحِي إِلَى الرُّومِ فَعَلَ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِقُبْرُسَ عَلَى الْحَرْبِ أَقَامَ، فَيُقَاتِلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا يُقَاتِلُونَ عَدُوَّهُمْ فَإِنَّ فِي إِنْظَارِ سَنَةٍ قَطْعًا لِحُجَّتِهِمْ وَوَفَاءً بِعَهْدِهِمْ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ:
٤٧٠ - إِنَّا لَا نَعْلَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ قَوْمًا فَنَقَضُوا الْعَهْدَ إِلَّا اسْتَحَلَّ قَتْلَهُمْ، غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ نَقْضُهُمُ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ غَزْوَهُمْ: أَنْ قَاتَلْتَ حُلَفَاؤُهُمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُزَاعَةَ فَنَصَرَ أَهْلُ مَكَّةَ بَنِي بَكْرٍ عَلَى حُلَفَائِهِ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ غَزْوَهُمْ، وَنَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَقَضُوا {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} وَنَزَلَتْ فِيهِمْ أَيْضًا: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: ٥٦] وَكَانَ فِيمَا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فِي صُلْحِهِ: أَنَّ مَنَ أَكَلَ مِنْهُمْ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ. وَالَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْعِلْمِ: أَنَّ مَنَ نَقَضَ شَيْئًا مِمَّا عُوهِدَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْقَوْمُ عَلَى نَقَضِهِ، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ ⦗٢٢٥⦘. وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ:
٤٧١ - إِنَّ أَمَانَ أَهْلِ قُبْرُسَ كَانَ قَدِيمًا مُتَظَاهِرًا مِنَ الْولَاةِ لَهُمْ، يَرَوْنَ أَنَّ أَمَانَهُمْ وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ ذُلٌّ وَصَغَارٌ لَهُمْ، وَقُوَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ: لِمَا يَأْخُذُونَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَيُصِيبُونَ بِهِمْ مِنَ الْفُرْصَةِ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْولَاةِ نَقَضَ صُلْحَهُمْ، وَلَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ مَكَانِهِمْ، وَأَنَا أَرَى أَنْ لَا تَعْجَلْ بِنَقْضِ عَهْدِهِمْ وَمُنَابَذَتِهِمْ حَتَّى يُعْذَرَ إِلَيْهِمْ، وَتُؤْخَذَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهُمْ} [التوبة: ٤] فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَتْرُكُوا غِشَّهُمْ وَرَأَيْتَ أَنَّ الْغَدْرَ يَأْتِي مِنْ قِبَلِهِمْ أَوْقَعْتَ بِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ أَقْوَى لَكَ عَلَيْهِمْ، وَأَقْرَبَ مِنَ النَّصْرِ لَكَ وَالْخِزْيِ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ:
٤٧٢ - إِنَّهُ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا خَلَا، فَيَنْظُرُ فِيهِ الْولَاةُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى نَقَضَ عَهْدَ أَهْلِ قُبْرُسَ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَعَلَّ جَمَاعَتَهُمْ لَمْ تُمَالِئْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خَاصَّتِهِمْ، وَإِنِّي أَرَى الْوَفَاءَ لَهُمْ وَإِتْمَامَ تِلْكَ الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمُ الَّذِي كَانَ. قَالَ مُوسَى: وَقَدْ سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ فِي قَوْمٍ صَالَحُوا الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَخْبَرُوا الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَتِهِمْ وَدَلُّوهُمْ عَلَيْهَا - قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِ، فَإِنْ شَاءَ الْوَالِي قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا لَمْ يَدْخُلْ ذِمَّةً نَبَذَ إِلَيْهِمُ الْوَالِي عَلَى سَوَاءٍ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨]
⦗٢٢٦⦘ . وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ:
٤٧٣ - إِنَّ أَهْلَ قُبْرُسَ أَذِلَّاءُ مَقْهُورُونَ، تَغْلِبُهُمُ الرُّومُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَقَدْ يَحِقُّ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَهُمْ وَنَحْمِيهِمْ، وَقَدْ كَتَبَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ لِأَهْلِ أَرْمِينِيَةَ أَنَّهُ إِنْ عَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ شُغْلٌ عَنْكُمْ وَقَهْرِكُمْ فَإِنَّكُمْ غَيْرُ مَأْخُوذِينَ، وَلَا نَاقِضٌ ذَلِكَ عَهْدَكُمْ، بَعْدَ أَنْ تَفُوا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ يُقَرُّوا عَلَى عَهْدِهِمْ وَذِمَّتِهِمْ، فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ كَانَ أَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَفْظَعَ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ فُقَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَدَّهُمْ إِلَى قُبْرُسَ، فَاسْتَحْسَنَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَرَأَوْهُ عَدْلًا. وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ:
٤٧٤ - إِنَّ أَمْرَ قُبْرُسَ كَأَمْرِ عَرْبَسُوسَ، فَإِنَّ فِيهَا قُدْوَةً حَسَنَةً وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً، فَإِنْ صَارَتْ قُبْرُسُ لِعَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ عَرْبَسُوسُ، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَلَى حَالِهَا وَالصَّبْرَ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا، لِمَا فِي ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ جَزَيْتِهَا وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهَا أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا كَانَ أَمَانُهَا وَتَرْكُهَا لِذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَهْدٍ بِمِثْلِ مَنْزِلَتِهِمْ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ إِلَّا وَمِثْلُ ذَلِكَ يُتَّقَى مِنْهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَكُلُّ أَهْلِ عَهْدٍ ⦗٢٢٧⦘ لَمْ يُقَاتِلِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَتَمْضِ أَحْكَامُهُمْ فِيهِمْ، فَلَيْسُوا بِذِمَّةٍ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ فِدْيَةٍ، يُكَفُّ عَنْهُمْ مَا كَفُّوا، وَيُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ مَا وَفَّوْا، وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ عَفْوُهُمْ مَا أَدَّوْا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ تَقِيَّةٍ يَتَّقُونَهَا مِنْهُمْ أَوْ ضَعْفٍ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ، أَوْ شُغْلٍ عَنْهُمْ بِغَيْرِهِمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنَ الْعَدُوِّ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُضْطَرِينَ إِلَى صُلْحِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ أَعِزَّاءَ فِي صُلْحِهِمْ، لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ ذِلَّةٌ وَلَا صَغَارٌ. وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ، وَمَخْلَدِ بْنِ حُسَيْنٍ:
٤٧٥ - وَإِنَّا لَمْ نَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِأَمْرِ قُبْرُسَ مِنْ أَمْرِ عَرْبَسُوسَ، وَمَا حَكَمَ فِيهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ ذَكَرَا مِثْلَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَتَحُوا قُبْرُسَ، فَتَرَكُوا أَهْلَهَا عَلَى حَالِهِمْ، وَصَالَحُوهُمْ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ: سَبْعَةُ آلَافٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسَبْعَةُ آلَافٍ لِلرُّومِ، عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُوا الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ عَدُوِّهِمْ، وَلَا يَكْتُمُوا الرُّومُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: مَا وَفَّى لَنَا أَهْلُ قُبْرُسَ قَطُّ، وَإِنَّا نَرَى أَنَّ ⦗٢٢٨⦘ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَهْلُ عَهْدٍ، وَأَنَّ صُلْحَهُمْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فِيهِ شَرْطٌ لَهُمْ وَشَرْطٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ بِهِ غَدْرُهُمْ وَنَكْثُ عَهْدِهِمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى أَكْثَرَهُمْ قَدْ وَكَّدَ الْعَهْدَ وَنَهَى عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ حَتَّى يُجْمِعُوا جَمِيعًا عَلَى النَّكْثِ، وَهَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَنْ يُتَّبَعَ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ الْعَوَّامُ بِجِنَايَةِ الْخَاصَّةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُمَالَأَةٍ مِنْهُمْ وَرَضًى بِمَا صَنَعَتِ الْخَاصَّةُ، فَهُنَاكَ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى