كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يُحَدِّثُهُ.
٨٣٩ - بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي الْفَيْضِ عَنْ عُمَرَ أَبِي حَفْصٍ الْحِمْصِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَعْطَى الْمِقْدَادَ حِمَارًا، فَقَبِلَهُ، فَقَالَ لَهُ الْعِرْبَاضُ: مَا كَانَ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَكَ، فَكَأَنِّي بِكَ قَدْ جِئْتَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْمِلُهُ، قَالَ: فَرَدَّهُ الْمِقْدَادُ قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِيَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، فَعَرَفَهُ، وَقَالَ: كَانَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مِنَ الْخُمُسِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا لَيْسَ لَهُ عِنْدِي وَجْهٌ، إِذْ جَاءَتْ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَصْنَافُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ ⦗٤١١⦘، فَهَذَا حُكْمُ الْخُمُسِ: أَنَّ النَّظَرَ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى، فَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَمْ يَأْتِنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَا الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَأَى صَرْفَهَا إِلَى أَحَدٍ سِوَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا: فَاخْتَلَفَ حُكْمُ الْخُمُسِ وَحُكْمُ الصَّدَقَةِ فِي ذَلِكَ، وَكِلَاهُمَا قَدْ سُمِّيَ أَهْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَنَرَى أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْخُمُسَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْفَيْءِ، وَالْفَيْءُ وَالْخُمُسُ جَمِيعًا أَصْلُهُمَا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَرَأَوْا رَدَّ الْخُمُسِ إِلَى أَصْلِهِ عِنْدَ مَوْضِعِ الْفَاقَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى ذَلِكَ.
٨٤٠ - وَمِمَّا يُقَرِّبُ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ أَوَّلَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: فِي الْخُمُسِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] فَاسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ بِأَنْ نَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلَهُ بَعْدُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْفَيْءِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ} [الحشر: ٧] فَنَسَبَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ اقْتَصَّ ذِكْرَ أَهْلِهِ، فَصَارَ فِيهِمَا الْخِيَارُ إِلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُرَادُ اللَّهُ بِهِ، فَكَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الصَّدَقَةَ فَقَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] وَلَمْ يَقُلْ: لِلَّهِ، وَلِكَذَا وَلِكَذَا، فَأَوْجَبَهَا لَهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهَا خِيَارًا: أَنْ يَصْرِفَهَا عَنْ أَهْلِهَا إِلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، فَحُكْمُهَا أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ مِنْهَا نَفَلٌ وَلَا عَطَاءٌ: فَهَذِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَاكَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ، فَافْتَرَقَ حُكْمُ الْخُمُسِ وَالصَّدَقَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
⦗٤١٢⦘
٨٤١ - وَقَدْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ مَعَ هَذَا، فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّمَا اسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ فِي الْفَيْءِ وَالْخُمُسِ بِذِكْرِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُمَا أَشْرَفُ الْكَسْبِ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ يُشَرَّفُ وَيُعَظَّمَ، قَالَ: وَلَمْ يَنْسُبِ الصَّدَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا أَوْسَاخٌ النَّاسِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بَرَّادٍ لِمَذْهَبِنَا، بَلْ هُوَ يُحَقِّقُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرَنَ الْفَيْءَ وَالْخُمُسَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا، وَأَبَانَ الصَّدَقَةَ مِنْ ذَلِكَ بِمَعْنًى سِوَى هَذَا، فِيمَا نَرَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute