٩٦٠ - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَنْتَرَةَ، عَنْ ⦗٤٥٨⦘ عَلِيٍّ، أَنَّهُ «كَانَ يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِبَرِ الْإِبَرَ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْمَسَالِّ الْمَسَالَّ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْحِبَالِ الْحِبَالَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُمَا قَدْ رَخَّصَا فِي أَخْذِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ مَكَانَ الْجِزْيَةِ، وَإِنَّمَا أَصْلُهَا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالطَّعَامُ
٩٦١ - وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْيُهُمَا فِي الدِّيَاتِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ، إِنَّمَا أَرَادَا التَّسْهِيلَ عَلَى النَّاسِ، فَجَعَلَا عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ مَا يُمْكِنُهُمْ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَالصَّدَقَةُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا أَنَّ الْأَسْنَانَ يُؤْخَذُ بَعْضُهَا مَكَانَ بَعْضٍ، إِذَا لَمْ تُوجَدِ السِّنُّ الَّتِي تَجِبُ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ سُفْيَانُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَيْسِيرًا عَلَى الَّذِينَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَوَفَاءً لِلَّذِينَ تُؤْخَذُ لَهُمْ. فَهَذَا مَا جَاءَ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ إِذَا كَانَتْ كُلُّهَا مَسَانَّ، أَوْ خَالَطَتْهَا صِغَارُهَا مِنَ الْخِيرَانِ وَالسِّقَابِ، فَإِذَا كَانَتْ كُلُّهَا صِغَارًا لَا مُسِنَّةَ فِيهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا أَرْبَعَةً.
٩٦٢ - قَالَ سُفْيَانُ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْكِبَارِ مِنَ الْأَسْنَانِ، إِلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ الْمُصَدِّقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَضْلَ مَا بَيْنَ السِّنِّ الَّتِي أَخَذَ، وَبَيْنَ الرُّبَعِ أَوِ السَّقِيبِ الَّذِي وَجَبَ فِي الْمَالِ.
٩٦٣ - وَقَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَسَانِّ مِنَ الْأَسْنَانِ، وَلَا يَرُدُّ الْمُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَضْلَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ
٩٦٤ - وَقَالَ غَيْرُهُمَا قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي الصِّغَارِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا.
٩٦٥ - وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّ فِيهَا وَاحِدَةً مِنْهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِكُلٍّ مَذْهَبٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ ⦗٤٥٩⦘، فَأَمَّا سُفْيَانُ فَنَرَاهُ أَرَادَ أَنَّ الصَّدَقَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْمَاشِيَةِ، كِبَارًا كَانَتْ أَوْ صِغَارًا، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهَا مِنَ الْأَسْنَانِ دُونَ بِنْتِ مَخَاضٍ، فَتُؤْخَذُ مِنْ رَبِّهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ، ثُمَّ يَرُدُّ الْمُصَدِّقُ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ فَضْلَ مَا بَيْنَ السِّنِّ الَّتِي أَخَذَ، وَبَيْنَ الْحُوَارِ الَّذِي وَجَبَ، فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ قَدْ أُخِذَتْ عَلَى فَرَائِضِهَا وَسُنَّتِهَا، وَيَكُونُ رَبُّ الْمَالِ قَدْ رَجَعَ إِلَيْهِ الْفَضْلُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَحُجَّتُهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ يَكُونُ فِيهَا الْأَسْنَانُ الْجِلَّةُ مِثْلُ الثَّنِيَّةِ، وَالرُّبَاعِيَّةِ، وَالسَّدِيسِ، وَالْبَازِلِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ، فَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْنَانِ الْعَالِيَةِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْفَرَائِضُ دُونَهَا، مِثْلُ بَنَاتِ الْمَخَاضِ، وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، وَالْحِقَاقِ، وَالْجِذَاعِ. يَقُولُ: فَكَمَا يُعْفَى لَهُمْ عَنْ أَخْذِ تِلْكَ الْجِلَّةِ، فَكَذَلِكَ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِمْ بِالْخِيرَانِ وَالرِّبَاعِ وَالسِّقَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسِنٌّ وَاحِدٌ. وَأَمَّا الَّذِي قَالَ: لَا صَدَقَةَ فِيهَا، فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِإِبِلٍ، وَإِنَّمَا جَاءَتِ الصَّدَقَةُ فِي الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا يُقَالَ لِهَذِهِ رِبَاعٌ، وَفُصْلَانٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَأَمَّا الَّذِي يَقُولُ: فِيهَا وَاحِدَةٌ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنْ حَوَاشِي الْأَمْوَالِ لَا مِنْ خِيَارِهَا، فَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنْ رَبِّهَا أَعْلَى مِنَ الْأَسْنَانِ الَّتِي يَمْلِكُ؟ يَقُولُ: فَإِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ وَاحِدَةً مِنْ عَرْضِهَا لَيْسَتْ بِأَحْسَنِ الْمَالِ فَقَدِ اسْتَوْفَى مِنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، أَوْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ ⦗٤٦٠⦘. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مَقَالَ، إِلَّا أَنَّ أَشْبَهَهَا بِتَأْوِيلِ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ فِي الصَّدَقَةِ عِنْدِي قَوْلُ مَالِكٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَضَ فَرَائِضَ الصَّدَقَةِ وَذَكَرَ أَسْنَانَهَا، قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاشِيَةَ قَدْ تَكُونُ جِلَّةً وَصِغَارًا، فَلَمْ يَأْتِنَا عَنْهُ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ خَصُّوا مِنْهَا كَبِيرًا دُونَ صَغِيرٍ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِالْعُمُومِ لِحِلَّتِهَا، فَقَالَ: فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ أَوِ الذَّوْدِ شَاةٌ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ شَاتَانِ. ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا، فَإِذَا جَاءَتِ السُّنَّةُ عَامَّةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ، إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ.
٩٦٦ - كَالَّذِي جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَرَايَا حِينَ اسْتَثْنَاهَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ، فَأَرْخَصَ فِيهَا.
٩٦٧ - وَكَمَا خَصَّ الْحَائِضَ بِالنَّفْرِ فِي حَجِّهَا قَبْلَ تَوْدِيعِ الْبَيْتِ دُونَ النَّاسِ.
٩٦٨ - وَالْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ يُضَحَّى بِهِ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الْأَزْوَاجِ الثَّمَانِيَةِ، وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا فِي السُّنَّةِ كَثِيرٌ، وَإِنَّمَا نَخُصُّ مَا خَصَّتْ، وَنَعُمُّ مَا عَمَّتْ، مَعَ أَنَّ الْإِبِلَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ شَامِلٌ يَجْمَعُ صِغَارَهَا وَمَسَانَّهَا، كَمَا أَنَّ النَّاسَ اسْمٌ لِبَنِي آدَمَ يَشْمَلُ أَطْفَالَهُمْ وَرِجَالَهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْأَنْعَامَ، فَسَوَّى بَيْنَ صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا، فَسَمَّاهَا جَمِيعًا نَعَمًا، فَقَالَ: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: ١٤٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute