٩٧٦ - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: «إِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يَوْمَ يُصَدِّقُ مَالَهُ، فَإِنْ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ مِمَّا هَلَكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا يُؤْخَذُ بِمَا وَجَدَهُ الْمُصَدِّقُ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ نَمَتِ الْمَاشِيَةُ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ مَا يَكُونُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِسُنَّةِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَتْ مُطْلَقَةً: فِي كَذَا وَكَذَا مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا. وَهَذَا إِنَّمَا يَقَعُ مَعْنَاهُ عَلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الصَّدَقَةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَاشِيَةِ يُحَاسَبُونَ بِمَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ، وَلَا يُسْأَلُونَ عَمَّا ضَاعَ مِنْهَا.
٩٧٧ - وَأَمَّا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّهُمْ أَنْزَلُوا الصَّدَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ، وَلَوْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ تَحِلُّ الدَّيْنَ، لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ الَّتِي هَلَكَتْ إِحْدَاهُنَّ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الشَّاةُ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَتْ إِبِلُهُ مِنْ عِنْدِ آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ هَلَاكُهَا عَنْهُ دَيْنًا قَدْ لَزِمَهُ مَرَّةً. وَلَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي فِيهَا إِلَّا مَا قَالَ مَالِكٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ تَأْوِيلَ الْآثَارِ وَالسُّنَّةِ.
٩٨٧ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَاعَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلَانِ اثْنَانِ، وَهِيَ خَمْسٌ تَامَّةٌ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ، فَإِنَّ سُفْيَانَ يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِلسَّنَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلثَّانِيَةِ شَيْءٌ ⦗٤٦٤⦘ وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ شَاتَانِ، لِكُلِّ سَنَةٍ وَاحِدَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَذْهَبِهِ هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِخَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، لِمَكَانِ الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ مِنْ تِلْكِ الشَّاةِ، فَصَارَتْ لَهُ خَمْسٌ غَيْرُ قِيمَةِ شَاةٍ، فَأَسْقَطَ عَنْهُ الصَّدَقَةَ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَتَلَفَّتُ إِلَى الدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا وَجَدَ الْمُصَدِّقُ فِي أَيْدِيهِمْ قَائِمًا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَحْوَالِ عَلَى الْمَاشِيَةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ هَذَا عِنْدِي؛ لِمَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ أَعْيَانِ الْمَاشِيَةِ إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَا يُحَاسَبُ أَحَدٌ بِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، وَلَا تَعُودُ الصَّدَقَةُ دَيْنًا يَتَّسِعُ بِهِ صَاحِبُهَا وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ إِذَا كَانَتِ الْمَاشِيَةُ إِنَّمَا هَلَكَتْ مِنْ حَادِثٍ يَحْدُثُ بِهَا غَيْرُ اسْتِهْلَاكٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ لَهَا بِبَيْعٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْجَانِيَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الضَّمَانُ فِي الْأَقْوَالِ كُلِّهَا. وَمِمَّا يُقَوِّي مَا تَأَوَّلْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ حَيًّا حَاضِرًا يَوْمَ يَأْتِي الْمُصَدِّقُ؛ حَدِيثَ عُمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute