قَالَ مُجَالِدٌ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَأَخْبَرَنِي مَسْرُوقٌ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: أَيْ أُمَّتَاهُ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ قَطُّ؟ قَالَتْ: إِنَّكَ تَقُولُ قَوْلًا، إِنَّهُ لَيَقِفُ مِنْهُ شَعْرِي، قَالَ: قُلْتُ: رُوَيْدًا، قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهَا: {وَالنَّجْمُ إِذَا هَوَى} [النجم: ١] ، إِلَى قَوْلِهِ: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ ⦗٥٦٢⦘ أَدْنَى} [النجم: ٩] فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا رَأَى جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُورَتِهِ، مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْخَمْسَ مِنَ الْغَيْبِ فَقَدْ كَذَبَ، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: ٣٤] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَعْمَرٍ، فَقَالَ: «مَا عَائِشَةُ عِنْدَنَا بِأَعْلَمَ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ كُنْتُ مِمَّنْ أَسْتَحِلُّ الِاحْتِجَاجَ بِخِلَافٍ أَصْلِيٍّ، وَاحْتَجَجْتُ بِمِثْلِ مُجَالِدٍ، لَاحْتَجَجْتُ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ قَاطِبَةً، قَدْ خَالَفُوا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُمْ جَمِيعًا كَانُوا يُثْبِتُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى رَبَّهُ، مَرَّتَيْنِ فَاتِّفَاقُ بَنِي هَاشِمٍ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ الِاحْتِجَاجَ بِمِثْلِ مُجَالِدٍ أَوْلَى مِنَ انْفِرَادِ عَائِشَةَ بِقَوْلٍ لَمْ يُتَابِعْهَا صَحَابِيُّ يَعْلَمُ، وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنَ التَّابِعَاتِ، وَقَدْ كُنْتُ قَدِيمًا أَقُولُ: لَوْ أَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ⦗٥٦٣⦘ كَانَتْ تَعْتَقِدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهَا ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، لَعَلِمَ كُلُّ عَالِمٍ يَفْهَمُ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَبِّي قَبْلَ أَنْ يَرَى رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ تَسْمَعُ غَيْرَهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّهُ قَدْ رَأَى رَبَّهُ، بَعْدَ رُؤْيَتِهِ رَبَّهُ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ قَبُولُ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ، وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا الْجِنْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَمْلَيْتُهَا فِي ذِكْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute