للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي خَبَرِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: عَفِيفٌ مُتَصَدِّقٌ، وَذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ، رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ " حَدَّثَنَاهُ أَبُو مُوسَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنْ كَانَ الْمُقْسِطُ اسْمًا مِنْ أَسَامِي رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا وَبَارِئُنَا الْحَلِيمُ جَلَّ رَبُّنَا، وَسَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَلِيمًا، فَقَالَ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: ٧٥] , وَأَعْلَمَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗٧٠⦘ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَقَالَ فِي وَصْفِهِ: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ، وَاللَّهُ الشَّكُورُ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ الشَّكُورَ، فَقَالَ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] ، فَسَمَّى اللَّهُ الْقَلِيلَ مِنْ عِبَادِهِ الشَّكُورَ وَاللَّهُ الْعَلِيُّ، وَقَالَ فِي مَوَاضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ: يَذْكُرُ نَفْسَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: ٥١] ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ كَثِيرٌ مِنَ الْآدَمِيِّينَ لَمْ نَسْمَعْ عَالِمًا وَرِعًا، زَاهِدًا فَاضِلًا فَقِيهًا، وَلَا جَاهِلًا أَنْكَرَ عَلَى أَحَدِ الْآدَمِيِّينَ تَسْمِيَةَ ابْنِهِ عَلِيًّا، وَلَا كَرِهَ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا الِاسْمَ لِلْآدَميِّينَ، قَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِاسْمِهِ، حِينَ وَجَّهَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «ادْعُ لِي عَلِيًّا» ، وَاللَّهُ الْكَبِيرُ، وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يُوقِعُونَ اسْمَ الْكَبِيرِ عَلَى أَشْيَاءَ ذَوَاتِ عَدَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، يُوقِعُونَ اسْمَ الْكَبِيرِ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَعَلَى الرَّئِيسِ، وَعَلَى كُلِّ عَظِيمٍ وَكَثِيرٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا ذَكَرَ اللَّهُ قَوْلَ إِخْوَةِ يُوسُفَ لِلْمَلِكِ: {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف: ٧٨] ، وَقَالَتِ ⦗٧١⦘ الْخَثْعَمِيَّةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا تَسْمِيَتَهَا أَبَاهَا كَبِيرًا، وَلَا قَالَ لَهَا: إِنَّ الْكَبِيرَ اسْمٌ مِنْ أَسَامِي اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: ٢٣] ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الْكَرِيمُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْقَعَ اسْمَ الْكَرِيمِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ: " إِنَّ الْكَرِيمَ بْنَ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ " , ⦗٧٢⦘ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان: ١٠] ، فَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ كَرِيمًا وَاللَّهُ الْحَكِيمُ، وَسَمَّى كِتَابَهُ حَكِيمًا، فَقَالَ: {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [لقمان: ٢] ، وَأَهْلُ الْقِبْلَةِ يُسَمُّونَ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ، إِذِ اللَّهُ أَعْلَمَ أَنَّهُ آتَاهُ الْحِكْمَةَ، فَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: ١٢] ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ يَقُولُونَ: قَالَ الْحَكِيمُ مِنَ الْحُكَمَاءِ، وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ حَكِيمٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا الشَّهِيدُ، وَسَمَّى الشُّهُودَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْحُقُوقِ شُهُودًا، فَقَالَ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] ، وَقَالَ أَيْضًا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: ٤١] , وَسَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمِيعُ أَهْلِ الصَّلَاةِ الْمَقْتُولَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدًا وَاللَّهُ الْحَقُّ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} [ص: ٨٤] ، وَقَالَ: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: ١١٤] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: ٦] ، وَقَالَ: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: ١٠٥] ، وَقَالَ: {وَالَّذِينَ ⦗٧٣⦘ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: ٢] ، وَقَالَ: {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: ٣] ، وَقَالَ: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [الحج: ٥٤] ، وَقَالَ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: ٢٦] ، وَقَالَ: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} [الفرقان: ٣٣] ، وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: ٣٣] ، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] فَكُلُّ صَوَابٍ وَعَدْلٍ فِي حُكْمٍ أَوْ فَعْلٍ وَنُطْقٍ: فَاسْمُ الْحَقِّ وَاقِعٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْحَقِّ اسْمًا مِنْ أَسَامِي رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ إِيقَاعِ اسْمِ الْحَقِّ عَلَى كُلِّ عَدْلٍ وَصَوَابٍ , وَاللَّهُ الْوَكِيلُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: ١٠٢] ، وَالْعَرَبُ لَا تُمَانِعُ بَيْنَهَا مِنْ إِيقَاعِ اسْمِ الْوَكِيلِ عَلَى مَنْ يَتَوَكَّلُ لِبَعْضِ بَنِي آدَمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ جَابِرٍ قَدْ قَالَ لَهُ: «اذْهَبْ إِلَى وَكِيلِي بِخَيْبَرَ» ، وَفِي أَخْبَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ ⦗٧٤⦘ قَيْسٍ فِي مُخَاطَبَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا أَعْلَمَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، قَالَتْ: وَأَمَرَ وَكِيلَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي شَيْئًا، وَأَنَّهَا تَقَالَّتْ مَا أَعْطَاهَا وَكِيلُ زَوْجِهَا " وَالْعَجَمُ - أَيْضًا - يُوقِعُونَ اسْمَ الْوَكِيلِ عَلَى مَنْ يَتَوَكَّلُ لِبَعْضِ الْآدَمِيِّينَ، كَإِيقَاعِ الْعَرَبِ سَوَاءً، وَأَعْلَمَ اللَّهُ: أَنَّهُ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا، فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: ١١] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: ٣٣] فَأَوْقَعَ اسْمَ الْمَوَالِي عَلَى الْعَصَبَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ⦗٧٥⦘ وَقَدْ أَمْلَيْتُ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ لَمَّا اشْتَجَرَ جَعْفَرٌ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ: قَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا» فَأَوْقَعَ اسْمَ الْمَوْلَى، أَيْضًا عَلَى الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ، كَمَا أَوْقَعَ اسْمَ الْمَوْلَى عَلَى الْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى، فَكُلُّ مُعْتَقٍ قَدْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَوْلَى، وَيَقَعُ عَلَى الْمُعْتَقِ اسْمُ مَوْلَى وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي خَبَرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ، فَقَدْ أَوْقَعَ اللَّهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ، ثُمَّ جَمِيعُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ اسْمَ الْمَوْلَى عَلَى بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوَلِيُّ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيًّا، فَقَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [المائدة: ٥٥] الْآيَةُ فَسَمَّى اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْضًا، الَّذِينَ وَصَفَهُمْ فِي الْآيَةِ: أَوْلِيَاءَ، الْمُؤْمِنِينَ، وَأَعْلَمَنَا، أَيْضًا، رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦]

⦗٧٦⦘ وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا الْحَيُّ، وَاسْمُ الْحَيِّ قَدْ يَقَعُ أَيْضًا عَلَى ذِي رُوحٍ، قَبْلَ قَبْضِ النَّفْسِ وَخُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: ٣١] ، وَاسْمُ الْحَيِّ قَدْ يَقَعُ أَيْضًا عَلَى الْمُوتَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: ٦٥] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» وَاللَّهُ الْوَاحِدُ، وَكُلُّ مَا لَهُ عَدَدٌ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْمُوتَانِ، فَاسْمُ الْوَاحِدُ قَدْ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جِنْسٍ مِنْهُ، إِذَا عُدَّ قِيلَ: وَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، وَثَلَاثَةٌ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْعَدَدُ إِلَى مَا انْتُهِيَ إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ قِيلَ: هَذَا وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: هَذَا الْوَاحِدُ: صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، لَا تُمَانِعُ الْعَرَبُ فِي إِيقَاعِ اسْمِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ وَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا الْوَالِي , وَكُلُّ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْمُ الْوَالِي وَاقِعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَاةِ مِنَ الْعَرَبِ , ⦗٧٧⦘ وَخَالِقُنَا جَلَّ وَعَلَا التَّوَّابُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ١٦] , وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ جَمِيعَ مَنْ تَابَ مِنَ الذُّنُوبِ تَوَّابًا، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢] ، وَمَعْقُولٌ عِنْدَ كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ الَّذِي هُوَ اسْمُ اللَّهِ، لَيْسَ هُوَ عَلَى مَعْنَى مَا سَمَّى اللَّهُ التَّائِبِينَ بِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ: أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْخَطَايَا، وَجَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ اسْمُ التَّوَّابِ لَهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعْبُودُنَا جَلَّ جَلَالُهُ الْغَنِيُّ، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: ٣٨] , وَاسْمُ الْغَنِيِّ قَدْ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَالِ، قَالَ جَلَّ وَعَلَا ذِكْرُهُ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٣] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: ٩٣] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْثِهِ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ: «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» ⦗٧٨⦘ وَقَالَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ " وَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا النُّورُ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ بَعْضَ خَلْقِهِ نُورًا، فَقَالَ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: ٣٥] ، وَقَالَ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٣٥] ، وَقَالَ: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: ٨] ، وَقَالَ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: ١٢] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنْتُ خُبِّرْتُ مُنْذُ دَهْرٍ طَوِيلٍ أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَانَ يَدَّعِي الْعِلْمَ مِمَّنْ كَانَ يَفْهَمُ هَذَا الْبَابَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقْرَأَ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥] وَكَانَ يَقْرَأُ: اللَّهُ نَوَّرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ بَعْضَ ⦗٧٩⦘ أَصْحَابِي وَقُلْتُ لَهُ: مَا الَّذِي تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْمٌ، يُسَمِّي اللَّهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ بَعْضَ خَلْقِهِ؟، فَقَدْ وَجَدْنَا اللَّهَ قَدْ سَمَّى بَعْضَ خَلْقِهِ بِأَسَامٍ هِيَ لَهُ أَسَامِي، وَبَعَثْتُ لَهُ بَعْضَ مَا قَدْ أَمْلَيْتُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَقُلْتُ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي لَا يَدْفَعُهُ عَالِمٌ بِالْأَخْبَارِ مَا يُثْبِتُ أَنَّ اللَّهَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قُلْتُ فِي خَبَرِ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ، قَدْ أَمْلَيْتُهُ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ وَفِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، أَيْضًا، فَرَجَعَ الرَّسُولُ وَقَالَ: لَسْتُ أُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى نُورًا، كَمَا قَدْ بَلَغَنِي بَعْدُ أَنَّهُ رَجَعَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكُلُّ مَنْ فَهِمَ عَنِ اللَّهِ خِطَابَهُ: يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسَامِي الَّتِي هِيَ لِلَّهِ ⦗٨٠⦘ تَعَالَى أَسَامِي، بَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِمَّا قَدْ أَوْقَعَ تِلْكَ الْأَسَامِيَ عَلَى بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى تَشْبِيهِ الْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ، لِأَنَّ الْأَسَامِيَ قَدْ تَتَّفِقُ وَتَخْتَلِفُ الْمَعَانِي، فَالنُّورُ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لِلَّهِ فَقَدْ يَقَعُ اسْمُ النُّورِ عَلَى بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ، فَلَيْسَ مَعْنَى النُّورِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِلَّهِ فِي الْمَعْنَى مِثْلَ النُّورِ الَّذِي هُوَ خَلْقُ اللَّهِ , قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٣٥] ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ نُورًا يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ , وَقَدْ أَوْقَعَ اللَّهُ اسْمَ النُّورِ عَلَى مَعَانٍ , وَرَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا الْهَادِي، وَقَدْ سَمَّى بَعْضَ خَلْقِهِ هَادِيًا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: ٧] ، فَسَمَّى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَادِيًا، وَإِنْ كَانَ الْهَادِي اسْمًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّهُ الْوَارِثُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: ٨٩] وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ مَنْ يَرِثُ مِنَ الْمَيِّتِ مَالَهُ وَارِثًا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] ، فَتَفَهَّمُوا يَا ذَوِي الْحِجَا مَا بَيَّنْتُ فِي هَذَا الْفَضْلِ تَعْلَمُوا وَتَسْتَيْقِنُوا أَنَّ لِخَالِقِنَا عَزَّ وَجَلَّ أَسَامٍ , قَدْ تَقَعُ تِلْكَ الْأَسَامِي عَلَى بَعْضِ خَلْقِهِ فِي اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ ⦗٨١⦘، فَإِنْ كَانَ عُلَمَاءُ الْآثَارِ الَّذِينَ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا جَاءَ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَبِّهَةً عَلَى مَا يَزْعُمُ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ، فَكُلُّ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِذَا قَرَءُوا كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنُوا بِهِ بِإِقْرَارٍ بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيقٍ بِالْقَلْبِ، وَسَمَّوُا اللَّهَ بِهَذِهِ الْأَسَامِي - الَّتِي خَبَّرَ اللَّهُ بِهَا أَنَّهَا لَهُ أَسَامِي - وَسَمَّوْا هَؤُلَاءِ الْمَخْلُوقِينَ بِهَذِهِ الْأَسَامِي الَّتِي سَمَّاهُمُ اللَّهُ بِهَا هُمْ مُشَبِّهَةٌ فَعَوْدُ مَقَالَتِهِمْ هَذِهِ تُوجِبُ أَنَّ عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ الْكُفْرَ بِالْقُرْآنِ، وَتَرْكَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَتَكْذِيبَ الْقُرْآنِ بِالْقُلُوبِ، وَالْإِنْكَارَ بِالْأَلْسُنِ، فَأَقْذِرْ بِهَذَا مِنْ مَذْهَبٍ , وَأَقْبِحْ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَهُمْ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ، وَعَلَى مَنْ يُنْكِرُ جَمِيعَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، وَالْكُفْرَ بِجَمِيعِ مَا ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَقْلِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ مَوْصُولًا: إِلَيْهِ فِي صِفَاتِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>