٤٢٥ - حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ قَالَ: " ضَلَّتْ نَاقَةٌ لِفَتًى مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجَ بَنِي شَيْبَانَ يَنْشُدُهَا فَإِنَّهُ لَكَذَلِكَ بَصُرَ بِجَارِيَةٍ كَأَنَّهَا الشَّمْسُ حُسْنًا وَجَمَالًا فَعَشِقَهَا عِشْقًا مُبَرِّحًا، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَدْ أَذْهَبَتْ عَقْلُهُ، فَمَا تَمَالَكَ أَنْ رَجَعَ إِلَى حَيِّهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَ اللَّيْلُ قَالَ: لَعَلِّي أُسْكِنُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا بَعْضَ مَا بِي. فَأَتَاهَا وَهِيَ جَالِسَةٌ وَإِخْوَتُهَا نِيَامٌ حَوْلَهَا، فَقَالَ لَهَا: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، قَدْ وَاللَّهِ أَذْهَبَ الشَّوْقُ عَقْلِي ⦗٢١٣⦘ وَكَدَّرَ عَلَيَّ عَيْشِي. فَقَالَتْ: امْضِ إِلَى مَالِكَ، وَإِلَّا أَنْبَهْتُ إِخْوَتِي فَقَتَلُوكَ. فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الْقَتْلَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنَ الَّذِي أَنَا فِيهِ. قَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا أَنَا فِيهِ مِنْ حُبِّكِ. قَالَتْ لَهُ: فَمَا تَشَاءُ؟ قَالَ: أَمْكِنِينِي مِنْ يَدَيْكِ حَتَّى أَضَعَهَا عَلَى قَلْبِي، وَلَكِ عَهْدُ اللَّهِ أَنِّي أَرْجِعُ. فَفَعَلَتْ. فَرَجَعَ، فَلَمَّا كَانَتْ لِلْقَابِلَةِ عَاوَدَ فَوَجَدَهَا عَلَى مِثْلِ حَالِهَا، فَقَالَتْ لَهُ كَقَوْلِهَا الْأَوَّلِ، فَقَالَ: أَمْكِنِينِي مِنْ شَفَتَيْكِ حَتَّى أَرْشِفَهَا وَأَنْصَرِفَ. فَلَمَّا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَقَعَ فِي قَلْبِهَا مِنْهُ كَهَيْئَةِ النَّارِ، فَأَقْبَلَتْ تَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَنَدَرَ بِهِ حَيُّهَا وَإِخْوَتُهَا، فَقَالُوا: مَا لِهَذَا الْكَلْبِ قَدْ أَطَالَ الْمُكْثَ فِي الْخَيْلِ وَهُوَ يَتَخَطَّانَا؟ فَقَعَدُوا لِطَلَبِهِ فِي لَيْلَتِهِمْ تِلْكَ. وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ الْقَوْمَ يُرِيدُونَكَ فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ. فَجَاءَتِ السَّمَاءُ بِمَطَرٍ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ طَلَبِهِ، ثُمَّ انْجَلَتِ السَّحَابُ وَطَلَعَ الْقَمَرُ فَتَطَيَّبَتِ الْجَارِيَةُ وَنَشَرَتْ شَعْرَهَا، وَأُعْجِبَتْ بِنَفْسِهَا، وَاشْتَهَتْ أَنْ يَرَاهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا قَدْ كَانَتْ أَطْلَعَتْهَا عَلَى شَأْنِهَا: يَا فُلَانَةُ، أَسْعِدِينِي عَلَى الْمُضِيِّ إِلَيْهِ، فَخَرَجَتَا يُرِيدَانِهِ وَهُوَ عَلَى الْخَيْلِ خَائِفٌ مِنَ الطَّلَبِ لَمَّا حَذَّرَتْهُ. فَبَصُرَ شَخْصَيْنِ يَسِيرَانِ فِي الْقَمَرِ، فَلَمْ يَشُكَّ أَنَّهُمَا مِنَ الْمُطَالِبِينَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا فَمَا أَخْطَأَ قَلْبَ صَاحَبْتِهِ، فَسَقَطَتْ لِوَجْهِهَا مُضَرَّجَةً بِدَمِهَا، فَلَمْ تَزَلْ تَضْطَرِبُ حَتَّى مَاتَتْ، فَبُهِتَ شَاخِصًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الكامل]
نَعَبَ الْغُرَابُ بِمَا كَرِهْـ ... ـتُ وَلَا إِزَالَةٌ لِلْقَدَرْ
تَبْكِي وَأَنْتَ قَتَلْتَهَا ... فَاصْبِرْ وَإِلَّا فَانْتَحِرْ
ثُمَّ جَمَعَ نَبْلَهُ فَجَعَلَ يُجَابِهَا أَوْدَاجَهُ حَتَّى قَتَلَ نَفْسَهُ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute