حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ رَوَاحَةَ الْعَدَوِيُّ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، أَلَا مَنْ لَبِسَ مِنْهُ شَيْئًا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: كُلُّ مَنْ رَوَى مِنْ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا، فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: سَمِعْتُهُ، وَلَا حَدَّثَنَا، وَلَا أَنْبَأَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَلَا لَفْظَةً تُوجِبُ صِحَّةَ الرِّوَايَةِ إِمَّا بِسَمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَغَيَّرُ وَاجِبٍ أَنْ يُحْكَمَ بِخَبَرِهِ وَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، أَوْ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ، وَلَا مَا يَقُومُ بِهِ مَقَامَ هَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ، احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ فُلَانٍ الَّذِي حَدَّثَهُ وَبَيْنَ فُلَانِ الثَّانِي رَجُلٌ آخَرُ لَمْ يُسَمِّهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: حُدِّثْنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَكَذَا، وَفُلَانٌ حَدَّثَنَا عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَسَوَاءٌ قِيلَ ذَلِكَ فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَمْ يَرَهْ أَوْ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: عَنْ، إِنَّمَا هُوَ أَنَّ رَدَّ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ، وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ ⦗٤٥١⦘، مُسْتَعْمَلٌ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَقَدْ نَظَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ شِعْرًا فَقَالَ:
[البحر الخفيف]
يَتَأَدَّى إِلَيَّ عَنْكَ مَلِيحٌ ... مِنْ حَدِيثٍ وَبَارِعٍ مِنْ بَيَانِ
فَلِهَذَا اشْتَهَتْ حَدِيثَكَ أُذُنَايَ ... وَلَيْسَ الْأَخْبَارُ مِثْلَ الْعِيَانِ
بَيْنَ قَوْلِ الْفَقِيهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ... فَرْقٌ وَبَيْنَ عَنْ سُفْيَانَ
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ يَقُولُ بِالظَّاهِرِ: إِذَا دَفَعَ الْمُحَدِّثُ إِلَى الَّذِي يَسْأَلُهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ كِتَابًا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ قَرَأْتُهُ وَوَقَفْتُ عَلَى مَا فِيهِ، وَقَدْ حَدَّثَنِي بِجَمِيعِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ سَوَاءٍ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِنَّ لِلْمَقُولِ لَهُ مَا وَصَفْنَا أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ، وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، ثُمَّ يَسُوقُ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا قَالَ حَدَّثَنَا، حِكَايَةً تُوجِبُ سَمَاعَ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعِ الْأَلْفَاظَ، وَسَوَاءٌ إِذَا اعْتَرَفَ لَهُ بِمَا وَصَفْنَا أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ أَجَزْتُ لَهُ أَنْ تَرْوِيَهُ أَوْ لَا يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ إِنَّمَا هُوَ سَمَاعُ الْمُخْبَرِ الْإِقْرَارُ مِنَ الْمُخْبِرِ، فَهُوَ إِذَا سَمِعَهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ سَمِعَ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمُحَدِّثُ: لَا أُجِيزُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَهُ عَنِّي كَانَ ذَلِكَ لَغْوًا، وَلِلْسَامِعِ أَنْ يَرْوِيَهُ أَجَازَهُ الْمُحَدِّثُ ⦗٤٥٢⦘ لَهُ أَمْ لَمْ يُجِزْهُ فَهَكَذَا أَيْضًا، إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَهُ، وَوَقَفَ عَلَى مَا فِيهِ، وَأَنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْ فُلَانٍ كَمَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ: ارْوِهْ عَنِّي، وَلَا قَدْ أَجَزْتُهُ لَكَ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَقُولَ: لَا تَرْوِهْ عَنِّي، وَلَا أَنْ يَقُولَ: لَسْتُ أُجِيزُهُ لَكَ، بَلْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ جَائِزَةٌ وَإِنْ قَالَ الْمُحَدِّثُ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ هَذَا الْكِتَابَ عَنِّي، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: فَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ فُلَانٍ كَمَا فِيهِ، أَوْ عَلَى مَا وَصَفْنَا، أَوْ قَالَ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَهُ عَنِّي عَنْ فُلَانٍ، وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ شَيْئًا، لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، إِذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُحَدِّثِ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْفُلَانِ الْمُثْبَتُ اسْمُهُ فِي الْكِتَابِ رَجُلٌ آخَرُ وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُحَدِّثِ، حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا رَجُلٌ وَرَجُلَانِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ مُنَاوَلَةَ الْكِتَابِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِمَا فِيهِ مُجِيزَةٌ لِرِوَايَتِهِ فَلَيْسَتْ بِنَا حَاجَةٌ إِلَى الْكَلَامِ فِي الْقِرَاءَةِ إِذَا فَهْمِهَا وَاعْتَرَفَ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ مِنْهَا، لِأَنَّهَا أَوْكَدُ حَالًا مِنَ الْمُنَاوَلَةِ وَأَمَّا الْكِتَابُ مِنَ الْمُحَدِّثِ إِلَى آخِرَ بِأَحَادِيثَ يَذْكُرُ أَنَّهَا أَحَادِيثُهُ سَمِعَهَا مِنْ فُلَانٍ كَمَا رَسَمَهَا فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الْمُحَدِّثَ كَتَبَ بِهَا إِلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ شَاكًّا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ، لَمْ تَجُزْ لَهُ رِوَايَتُهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَيَقِّنًا لَهُ، فَهُوَ وَسَمَاعُهُ الْإِقْرَارَ مِنْهُ سَوَاءٌ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ فِيمَا تَقَعُ الْعِبَارَةُ فِيهِ بِاللَّفْظِ إِنَّمَا هُوَ تَعْبِيرُ اللِّسَانِ عَنْ ضميرِ الْقَلْبِ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْعِبَارَةُ، عَنِ الضَّمِيرِ بِأَيِّ ⦗٤٥٣⦘ سَبَبٍ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِبَارَةِ، إِمَّا بِكِتَابٍ وَإِمَّا بِإِشَارَةٍ، وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ، كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءً وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقَامَ الْإِشَارَةَ مَقَامَ الْقَوْلِ فِي بَابِ الْعِبَارَةِ: وَهُوَ حَدِيثُ" الرَّجُلِ الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَأَحْضَرَهُ جَارِيَةً، فَقَالَ: إِنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيْنَ رَبُّكِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: اعْتِقْهَا"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute