حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ، ثنا أَبِي، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَعْنِي اللَّيْثِيَّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عَبْدَانَ: حَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، ثنا أَبِي - يَعْنِي بِإِسْنَادِهِ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: " أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَعَمَلِهِ؟ فَقَالُوا: " اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: " إِنَّمَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ وَمَثَلُ مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَعَمَلِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا بَعْضَ إِخْوَتِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَى، فَمَا لِي عِنْدَكَ، وَمَا لِي لَدَيْكَ؟ فَقَالَ: لَكَ عِنْدِي أَنْ أُمَرِّضَكَ، وَلَا أُزَايُلَكَ، وَأَنْ أَقُومَ بِشَأْنِكَ، فَإِذَا مِتَّ غَسَّلْتُكَ وَكَفَّنْتُكَ، وَحَمَلْتُكَ مَعَ الْحَامِلِينَ، أَحْمِلُكَ طَوْرًا، وَأُمِيطُ عَنْكَ طَوْرًا، فَإِذَا رَجَعْتُ أَثْنَيْتُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ عِنْدَ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْكَ. هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، فَمَا تَرَوْنَهُ؟ ". قَالُوا: لَا نَسْمَعُ طَائِلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ" ثُمَّ يَقُولُ لِلْأَخِ الْآخَرِ: أَتَرَى مَا نَزَلَ بِي؟ فَمَا لِي لَدَيْكَ، وَمَا لِي عِنْدَكَ؟ فَيَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي غَنَاءٌ إِلَّا وَأَنْتَ فِي الْأَحْيَاءِ، فَإِذَا مِتَّ ذَهَبَ بِكَ مَذْهَبٌ وَذَهَبَ بِي مَذْهَبٌ. هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ مَالُهُ، كَيْفَ تَرَوْنَهُ؟ ". قَالُوا: مَا نَسْمَعُ طَائِلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ⦗١١٢⦘، " ثُمَّ يَقُولُ لِأَخِيهِ الْآخَرِ: أَتَرَى مَا قَدْ نَزَلَ بِي، وَمَا رَدَّ عَلَيَّ أَهْلِي، وَمَالِي؟ فَمَا لِي عِنْدَكَ، وَمَالِي لَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ فِي لَحْدِكَ، وَأَنِيسُكَ فِي وَحْشَتِكَ، وَأَقْعُدُ يَوْمَ الْوَزْنِ فِي مِيزَانِكَ، فَأُثَقِّلُ مِيزَانَكَ. هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ عَمَلُهُ، فَكَيْفَ تَرَوْنَهُ؟ ". قَالُوا: خَيْرُ أَخٍ، وَخَيْرُ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا» . قَالَتْ عَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كُرْزٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَقُولَ عَلَى هَذَا أَبْيَاتًا؟، فَقَالَ: نَعَمْ. فَذَهَبَ فَمَا بَاتَ إِلَّا لَيْلَةً حَتَّى عَادَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
[البحر الطويل]
وَإِنِّي وَأَهْلِي وَالَّذِي قَدَّمَتْ يَدِي ... كَدَاعٍ إِلَيْهِ صَحْبَهُ ثُمَّ قَائِلِ
لِإِخْوَتِهِ إِذْ هُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ ... أَعِينُوا عَلَى أَمْرٍ بِيَ الْيَوْمَ نَازِلِ
فِرَاقٍ طَوِيلٍ غَيْرَ مُشْفَقٍ بِهِ ... فَمَاذَا لَدَيْكُمْ فِي الَّذِي هُوَ غَائِلِي
فَقَالَ امْرُؤٌ مِنْهُمْ أَنَا الصَّاحِبُ الَّذِي ... أُطِيعُكَ فِيمَا شِئْتَ قَبْلَ التَزَايُلِ
فَأَمَّا إِذَا جَدَّ الْفِرَاقُ فَإِنَّنِي ... لِمَا بَيْنَنَا مِنْ خُلَّةٍ غَيْرُ وَاصِلِ
فَخُذْ مَا أَرَدْتَ الْآنَ مِنِّي فَإِنَّنِي ... سَيُسْلَكُ بِي فِي مَهْبَلٍ مِنْ مَهَابِلِ
وَإِنْ تُبْقِنِي لَا تَبْقَ فَاسْتَنْقِذْنَنِي ... وَعَجِّلْ صَلَاحًا قَبْلَ حَتْفٍ مُعَاجِلِ
وَقَالَ امْرُؤٌ قَدْ كُنْتُ جِدًّا أُحِبُّهُ ... وَأُوثِرُ مِنْ بَيْنِهِمْ فِي التَّفَاضُلِ
غِنَائِيَ أَنِّي جَاهِدٌ لَكَ نَاصِحٌ ... إِذَا جَدَّ جَدُّ الْكَرْبِ غَيْرُ مُقَاتِلِ
وَلَكِنَّنِي بَاكٍ عَلَيْكَ وَمُعْوِلٌ ... وَمُثْنٍ بِخَيْرٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ سَائِلِي
وَمُتَّبِعُ الْمَاشِينَ أَمْشِي مُشَيِّعًا ... أُعِينَ بِرِفْقٍ عُقْبَةً كُلَّ حَامِلِ
إِلَى بَيْتِ مَثْوَاكَ الَّذِي أَنْتَ مَدْخَلٌ ... وَرَاجِعُ مَقْرُونًا بِمَا هُوَ شَاغِلِي
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ خُلَّةٌ ... وَلَا حُسْنُ وُدٍّ مَرَّةً فِي التَّبَاذُلِ
فَذَلِكَ أَهْلُ الْمَرْءِ ذَاكَ غِنَاؤُهُمْ ... وَلَيْسُوا - وَإِنْ كَانُوا حِرَاصًا - بِطَائِلِ
وَقَالَ امْرُؤٌ مِنْهُمْ أَنَا الْأَخُ لَا تَرَى ... أَخًا لَكَ مِثْلِي عِنْدَ كَرْبِ الزَّلَازِلِ
لَدَى الْقَبْرِ تَلْقَانِي هُنَالِكَ قَاعِدًا ... أُجَادِلُ عِنْدَ الْقَوْلِ رَجْعَ التَّجَادُلِ
وَأَقْعُدُ يَوْمَ الْوَزْنِ فِي الْكِفَّةِ الَّتِي ... تَكُونُ عَلَيْهَا جَاهِدًا فِي التَّثَاقُلِ
وَلَا تَنْسَنِي وَاعْلَمْ مَكَانِي فَإِنَّنِي ... عَلَيْكَ شَفِيقٌ نَاصِحٌ غَيْرُ خَاذِلِ
فَذَلِكَ مَا قَدَّمْتَ مِنْ كُلِّ صَالِحٍ ... تُلَاقِيهِ إِنْ أَحْسَنْتَ يَوْمَ التَّوَاصُلِ
قَالَ: فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَكَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ قَوْلِهِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كُرْزٍ ⦗١١٣⦘ لَا يَمُرُّ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا دَعُوهُ وَاسْتَنْشَدُوهُ، فَإِذَا أَنْشَدَهُمْ بَكَوْا