حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ بَحِيرِ بْنِ حَاتِمٍ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ قَالَ: ح سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا ثَلَاثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ " ⦗٢٦⦘ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنَ الدُّنْيَا، فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا» أَيْ: مُدَّةُ كُونِي فِيهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ، فيَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الدُّنْيَا لَا مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا» مَا ذَكَرَ إِخْبَارًا مِنْهُ عَنْ بُلُوغِهِ نِهَايَةَ الْكَلَامِ، الْكَمَالُ فِي الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَدَوَرَانَ أَحْوَالِهَا عَلَى شَيْئَيْنِ: تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَمَا ذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حُبِّبَ إِلَيْهِ بِجَمِيعِ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَجْمَعُ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الدِّينِ لِتَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَأَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى إِجْلَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَهَا الطَّهَارَةُ سِرًّا وَجَهْرًا، ثُمَّ جَمْعُ الْهِمَّةِ، وَإِخْلَاءُ السِّرِّ وَهُوَ النِّيَّةُ، ثُمَّ الِانْصِرَافُ عَمَّا دُونَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ، ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلَى نَبْذِ مَا رُبِطَ بِهِ، ثُمَّ أَوَّلُ أَذْكَارِهِ التَّكْبِيرُ، وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ أَوَّلُ ثَنَاءٍ فِيهِ ثَنَاءٌ لَا يَشُوبُهُ ذِكْرُ شَيْءٍ سَوَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ قِرَاءَةُ كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ مُنْتَصِبًا قَدْ زَمَّ جَوَارِحَهُ هَيْبَةً وَخُشُوعًا وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا عَبَّرَ بِلِسَانِهِ عَنْ ضَمِيرِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِعْلًا وَحَرَكَةً، وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَذْكَارُهُمَا تَنْزِيهُ اللَّهِ وَإِجْلَالُهُ وَتَعْظِيمُهُ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، ثُمَّ مَعَ كُلِّ حَرَكَةٍ تَكْبِيرٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ بِإِجْمَاعِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَجْمَلَ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» عِبَارَةً عَنْ تَعْظِيمِهِ قَدْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا حُسْنُ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، فَالنِّهَايَةُ فِيهِ أَنْ يُوَفِّرَ عَلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ وَيَرْفَعَهُمْ وَيَبْذِلَ لَهُمْ حُظُوظَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ حَقَّ نَفْسِهِ، وَلَا يُطَالِبَهُمْ بِحُظُوظِهَا، فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَمَالِهِ فِي هَذِهِ الْخَصْلَةِ بِقَوْلِهِ: «الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ» ، وَذَلِكَ أَنَّ الطِّيبَ مِنْ حَظِّ الرَّوْحَانِيِّينَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا غَيْرِ الطِّيبِ حَظٌّ، فَأَحَبَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطِّيبَ إِيفَاءً لِحُقُوقِهِمْ، وَحُسْنَ مُعَامَلَةٍ لَهُمْ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَطْيَبَ رِيحًا مِنْ كُلِّ طِيبٍ فِي الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute