مِنْ أَفْعَالِ عِبَادِهِ، وَيَجْعَلُهُمْ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَالْمُؤْثِرِينَ لَهُ، وَهُوَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِتَالٌ فِي أَعْدَائِهِ مُعْرِضًا عَنْ نَفْسِهِ مُسْتَحْفِيًا بِهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «حَاسِرًا» ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ اخْتَصَّهُمْ بِمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ غَيْرَهُمْ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: ٥٥] ، وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [الكهف: ٦٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} [ص: ٢٥] ، كُلُّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالْإِيثَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَضْحَكُ إِلَيْكَ» ، أَيْ: يُسَرُّ بِقُدُومِهِ عَلَيْكَ، وَيُحِبُّ لِقَاءَكَ، وَيَرْضَى ثَوَابَكَ «وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ» ، تَرْضَى عَنْهُ، وَتَلْقَاهُ بِالْقَبُولِ، وَتُحِبُّ لِقَاءَهُ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الضَّحِكِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّجَلِّي لِعَبْدِهِ، وَكَشْفُ الْحُجُبِ عَنْهُ، فَيَرَاهُ رُؤْيَةَ عَيَانٍ، كَمَا وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِهِ، وَكَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣] ، فَيَكُونُ مَعْنَى الضَّحِكِ إِلَيْهِ التَّجَلِّي لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الضَّحِكَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الظُّهُورِ، فَيُقَالُ: ضَحِكَ الْفَجْرُ إِذَا ظَهَرَ، وَضَحِكَ السَّحَابُ إِذَا انْكَشَفَ، فَأَبْدَى عَنِ السَّمَاءِ، وَضَحِكَ الشَّيْبُ بِرَأْسِهِ، أَيْ: ظَهَرَ وَبَدَا، قَالَ دِعْبِلُ بْنُ عَلِيٍّ:
لَا تَعْجَبِي يَا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ... ضَحِكَ الْمَشِيبُ بِرَأْسِهِ، فَبَكَى
فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَضْحَكُ» ، أَيْ: يَقْدَمُ عَلَيْكَ فَرَحًا بِلِقَائِكَ مَسْرُورًا بِقُدُومِهِ عَلَيْكَ، وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ، أَيْ: تَتَجَلَّى لَهُ، وَتَكْشِفُ الْحُجُبَ عَنْهُ، فَيَرَاكَ، وَيَنْظُرُ إِلَيْكَ، كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute