أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ قَالَ فِي ذِكْرِ الْقِيَامَةِ: " فَيَسْتَقْبِلُنِي الْجَبَّارُ، فَأَخِّرُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي، أُمَّتِي، فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: اذْهَبْ، فَمَنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ حَبَّةٍ مِنْ شَعِيرٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَأَذْهَبُ، وَأُمِيِّزُ، وَأُدْخِلُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، ثُمَّ أَذْهَبُ، فَآَخُذُ بِحَلْقَةِ الْجَنَّةِ، فَيَسْتَقْبِلُنِي الْجَبَّارُ، فَأَخِّرُ لَهُ سَاجِدًا "، ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَدَّثَنَا بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ح مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، نَسُوقُهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ الْإِخْبَارِ عَنْ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ الَلَّهُ تَعَالَى، فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَرَامَةً أَحْدَثَ عِنْدَهَا خُضُوعًا، فَكَذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ فِي لَطَائِفِهِ فِي إِنْزَالِ السَّكِينَةِ عَلَى قَلْبِهِ أَحْدَثَ عِنْدَهَا خُضُوعًا بِإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ بِصِفَةِ الِاسْتِغْفَارِ، وَفِي الِاسْتِغْفَارِ مَعْنًى آخَرُ لَطِيفٌ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ الْمَحَبَّةِ مِنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: ٢٢٢] فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْدِثُ فِي كُلِّ حَالٍ تَوْبَةً، لِيَسْتَوْجِبَ مِنْ رَبِّهِ الْمَحَبَّةَ، فَكَانَ اسْتِغْفَارُهُ إِظْهَارَ تَوْبَتِهِ، وَتَوْبَتُهُ اسْتِدْعَاءَ مَحَبَّتِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ: مَعْنَى تَغْشَى السَّكِينَةُ قَلْبَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَمَاعِ مَا يُنَاجِي بِهِ الْحَبِيبُ حَبِيبَهُ، كَمَا كَانَ تَغَشِّيهَا فَمَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ، كَأَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يُسْمَعُ مِنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَمِنْ غَيْرِهِ ⦗٢١٠⦘. وَمَا يُنَاجِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ مِنْ غَيْرِهِ، فَاسْتِمَاعُ السَّكِينَةِ بِمُنَاجَاةِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِنَ اسْتِمَاعِهَا لِقِرَاءَةِ أُسَيْدٍ، وَمِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنَاجَاةُ الْقَلْبِ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُوِيَ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ سُمِعَ لَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَسْمَعَ النَّاسُ مِنْ قَلْبِهِ، جَازَ أَنْ يَسْمَعَ السَّكِينَةَ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَكُونُ تَغَشِّيهَا قَلْبَهُ لِسَمَاعِ مُنَاجَاةِ حَبِيبِ اللَّهِ، كَمَا كَانَ تَغَشِّيهَا فَمَ أُسَيْدٍ لِسَمَاعِ قِرَاءَةِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute