للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْشَدَ بَعْضُ الْكِبَارِ:

[البحر الكامل]

يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ مَنْ يَحُسُّ بِهَا ... فَمَنْ هُوَ النَّارُ كَيْفَ يَحْتَرِقُ

فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِصِفَةِ مَنْ يَخَافُهُ الْمَخْلُوقَاتُ لِغَلَبَةِ خَوْفِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِفَةِ مَنْ أَمِنَتْهُ الْمَخَاوِفُ غَيْبَةً عَنْهَا بِشُهُودِ مَوْلَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَوَّاءَ {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف: ٢٠] الْآَيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: ١٢٠] ، فَقَدْ نَالَ الشَّيْطَانُ مِنْ آدَمَ بِوَسْوَسَتِهِ لَهُ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قِيلَ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى وَسْوَسَةِ إِبْلِيسَ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الشَّجَرَةِ بِوَسْوَسَتِهِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَكَلَ مِنْهَا؛ لَأَنَّهُ نُهِيَ عَنْ عَيْنِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ لَا عَنْ جِنْسِهَا، فَأَكَلَ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَأَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ، وَأُخْرِجَ إِلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ خَلِيفَةً لَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠] ، وَلَكِنْ لَمَّا وَافَقَ أَكْلُهُ تَزْيِينَ إِبْلِيسَ لَهُ، وَوَسْوَسَتَهُ إِيَّاهُ نُسِبَ إِخْرَاجُهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِلَيْهِ، فَقَالَ {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: ٣٦] وَلَمْ يَقْصِدْ إِبْلِيسُ إِخْرَاجَهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ إِسْقَاطَهُ مِنْ رُتْبَتِهِ، وَإِبْعَادَهُ كَمَا بَعُدَ هُوَ، فَلَمْ يَبْلُغْ مَقْصَدَهُ، وَلَا أَدْرَكَ مُرَادَهُ، بَلِ ازْدَادَ سُخْنَةَ عَيْنٍ، وَغَيْظَ نَفْسٍ، وَخَيْبَةَ ظَنٍّ، قَالَ اللَّهُ {اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢] فَصَارَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلِيفَةً لِلَّهِ فِي أَرْضِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فِي دَارِهِ، فَكَمْ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالْجَارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <   >  >>