- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، ح الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، ح سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْجَوْهَرِيُّ، ح حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ عَلَى بَعْضِ الصَّدَقَةِ، فَأَبَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُتِيَ بِالْوَالِي فَيُقْذَفُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَنْتَفِضُ انْتِفَاضَةً يَزُولُ كُلُّ عَظْمٍ عَنْ مَكَانِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِظَامَ فَتَرْجِعُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، ثُمَّ يَسْأَلُهُ فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَعْطَاهُ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا خَرَقَ بِهِ الْجِسْرَ، فَهَوَى فِي جَهَنَّمَ مِقْدَارَ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . فَقَالَ عُمَرُ: سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ أَسْمَعْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَكَانَ هُنَاكَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ، فَقَالَ سَلْمَانُ: إِي وَاللَّهِ يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ، وَمَعَ السَّبْعِينَ خَرِيفًا فِي وَادٍ مِنْ نَارٍ تَلْتَهِبُ الْتِهَابًا. فَقَالَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا؟ فَقَالَ سَلْمَانُ: مَنْ سَلَتَ اللَّهُ أَنْفَهُ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: «مَنْ سَلَتَ اللَّهُ أَنْفَهُ» أَيْ: قَبَّحَهُ، وَشَوَّهَ خَلْقَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ نُزِعَ أَنْفَهُ مِنْ وَجْهِهِ شُوِّهَ خَلْقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى السَّلْتِ الْمَسْحُ وَالْإِذْهَابُ. وَمَعْنَى: «أَلْصَقَ خَدَّهُ الْأَرْضَ» أَيْ: أَذَلَّهُ، وَأَقْمَأَهُ، أَيْ: يَكُونُ آخِرُ أَمْرِهِ ذَلِكَ، وَإِلَى تِلْكَ الْحَالِ يَكُونُ مِنْ قُبْحِهَا، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ ⦗٢٧٢⦘ الْمُتَكَبِّرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ يَطَأُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِمْ» . فَكَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ سَلْمَانَ: لَا يَأْخُذُهَا عِنْدَكَ وَأَنْتَ حَيٌّ إِلَّا مَنْ يَرْغَبُ فِيهَا طَلَبًا لِلْعُلُوِّ، وَإِرَادَةَ الرِّفْعَةِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، وَمَنْ أَعَادَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَانْتِهَاءُ حَالِهِ فِي الْقِيَامَةِ إِلَى مَا أَوْعَدَ اللَّهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ» ، وَيُشَوِّهُ خَلْقَهُمْ وَيُقَبِّحُ صُدُورَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إِلَيْهَا إِلَّا مَنْ كَانَ طَالِبًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَالْفَسَادِ فِي الْبِلَادِ، وَالتَّرَفُّعِ عَلَى الْعِبَادِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِيهَا مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَحَدٌ حَتَّى أَتَاهُ عَفْوًا، وَحَتَّى لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ، حَتَّى لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا، وَخَافَ الْفِتْنَةَ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَهْلُ الشُّورَى، وَعَلِيٌّ بَايَعُوهُ طَوْعًا، وَهُوَ يَمْتَنِعُ حَتَّى جَاءَتْ عَزْمَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute