حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِبَاعٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ الضَّوْءِ قَالَ: ح عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: ح أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ فِي كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» ⦗٢٨٧⦘ فَفِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ كَنْزًا فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " أَكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ "، يَعْنِي قُولُوا ذَلِكَ عَلَى تَحْقِيقٍ مِنْ قُلُوبِكُمْ، وَصِدْقٍ مِنْ نُفُوسِكُمْ، أَيْ تَبَرَّءُوا مِنْ حَوْلِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ فَيَكُونَ لَكُمْ فِي الْجَنَّةِ كُنُوزًا، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، فَلَهُ فِي الْجَنَّةِ كَنْزٌ. وَمَعْنًى آخَرُ: أَنَّ التَّبَرِّيَ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَالِاسْتِظْهَارَ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَشْيَاءِ مِنْ كَنْزٍ فِي الْجَنَّةِ، أَيْ لَا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا مَنْ كَانَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ كَنْزٌ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَهُ فِي الْجَنَّةِ كَنْزٌ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُوتِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ» . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُرَاعِي النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّمَا الْأُولَى لَكَ وَلَيْسَتْ لَكَ الثَّانِيَةُ» هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِيمَنْ لَا يَتَعَمَّدُ النَّظَرَ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتِ النَّظْرَةُ الْأُولَى عَلَى قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ، فَلَيْسَتْ هِيَ لَهُ، بَلْ هِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْأُولَى، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ هِيَ الَّتِي نَهَى عَنْهُ مَنْ قَصَدَ مِنْهُ، فَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ خَطَأٌ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ عَنْ أُمَّتِي» فَالنَّظْرَةُ الْأُولَى فَهِيَ نَظْرَةُ خَطَأٍ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مَتْرُوكٌ لَهُ، لَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، فَإِذَا أَتْبَعَهَا أُخْرَى كَانَتِ الثَّانِيَةُ نَظْرَةَ تَعَمُّدٍ وَقَصْدٍ، وَمَنْ تَعَمَّدَ الْخَطِيئَةَ، وَقَصَدَ مِنْ تَعَمُّدٍ الْخَطِيئَةَ، وَقَصَدَ ارْتِكَابَ مَا نُهِيَ عَنْهُ، كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ لَا يَمْحُوهَا إِلَّا بِشَرَائِطِهَا مِنْ تَوْبَةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ تَأْدِيبٍ، وَلِلَّهِ فِيهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا وَالتَّجَاوُزِ وَهُوَ جَلَّ وَعَزَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ عَفُوٌّ حَلِيمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute