وَحُطُومِهَا، وَالْمُنَافَسَةُ فِيمَا تُؤَدِّي إِلَى الْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالْجَمْعِ لَهَا، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا وَالضَّنِّ بِهَا. فَقَوْلُهُ: «لَا تَنَافَسُوا» نَهْيٌ عَنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَزَجْرٌ عَنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدَابَرُوا» أَيْ لَا تَخَاذَلُوا، وَلَا تَغْتَابُوا، وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ غَائِلَةً، بَلْ تَعَاوَنُوا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] ، وَبِقَوْلِهِ {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: ١٢] ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» أَيْ لَا تَتَرَافَعُوا وَلَا تَتَعَالَوْا فَإِنَّكُمْ كُلَّكُمْ عِبَادُ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: «إِخْوَانًا» يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا فِي التَّدَابُرِ؛ لِأَنَّ التَّخَاذُلَ هُوَ إِعْرَاضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَهُوَ التَّدَابُرُ؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ إِذَا عَرَضَ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ دُبُرُهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةُ الْأُخُوَّةِ بَلْ صِفَةُ الْأُخُوَّةِ التَّقَابُلُ، وَأَنْ يَكُونَ وَجْهُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِخْوَانًا عَلَى سُرَرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: ٤٧] ، فَوَصَفَ الْإِخْوَانَ بِالتَّقَابُلِ وَهُوَ أَنْ لَا يُعْرِضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَهُوَ أَنْ لَا يَأْخُذَهُ وَلَا يَجْعَلَهُ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ، وَلَا يُدْبِرَهُ بِسُوءٍ قَوْلًا فَيَكُونَ غَيْبَتَهُ، أَوْ فِعْلًا فَيَكُونُ بَغْيًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. مَعْنَى الْخَبَرِ: لَا تَبَاغَضُوا أَيْ: لَا تَخْتَلِفُوا فِي الْآرَاءِ، وَلَا تَبَايَنُوا فِي الْمَذَاهِبِ وَالْأَهْوَاءِ فَتَبَاغَضُوا بِهَا؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ تُوجِبُ الْبُغْضَ وَتَرْكَ الْمُوَالَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute