ح أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: ح الْحَارِثُ بْنُ أُسَامَةَ قَالَ: ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ: ح هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ غَيْرَ ثَلَاثٍ، قَوْلِهِ: إِنِّي سَقِيمٌ، وَقَوْلِهِ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ إِذْ نَزَلَ فِي أَرْضِ جَبَّارٍ، فَأُتِيَ الْجَبَّارُ فَقِيلَ: قَدْ نَزَلَ هَا هُنَا رَجُلٌ مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْكَ قَالَ: أُخْتِي " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ح إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ بُلَيْدٍ الرُّعَيْنِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثًا ⦗٣٣٨⦘. .» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدُّ الْكَذِبِ مَا كَانَ مَخْبَرُهُ بِخِلَافِ خَبَرِهِ، وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «إِنِّي سَقِيمٌ» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ حَالِهِ قَبْلَ بَيَانِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ، فَإِنَّهُ نَظَرَ إِلَيْهَا مُسْتَدِلًّا وَالْمُسْتَدِلُّ بَيْنَ أَمْرَيْنِ حَتَّى يَقَعَ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَمَا يَدَّعِيهِ قَوْمُهُ وَبَيْنَمَا عَرَفَهُ بِفِطْرَتِهِ، فَكَانَ يَتَبَيَّنُ تَحْقِيقَ مَا عَرَفَهُ بِالْفِطْرَةِ مِنْ جِهَةِ دَلِيلِ الْعَقْلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ دَلِيلَ الْمُحَاجَّهِ لِقَوْمِهِ، وَإِزَالَةَ عَوَارِضِ الشُّكُوكِ الَّتِي تَهْجِسُ فِي الْخَوَاطِرِ، وَلَمْ يَكُنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَعَبَّرَ عَنْ ضَعْفِهِ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالسَّقَمِ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْعِلَّةِ إِذَا لَمْ تَطَّرِدُ فِي مَعْلُولَاتِهَا هَذِهِ: عَلَيَّ سَقِيمَةٌ، أَيْ ضَعِيفَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ قَوْمٍ شَكُّوا فِيمَا آَتَاهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة: ١٠] قِيلَ: الشَّكُّ، وَالشَّكُّ ضَعْفٌ، فَكَانَ ضَعْفُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِهَةِ الشَّكِّ، وَضَعْفُ إِبْرَاهِيمَ مِنْ طَرِيقِ الْمُحَاجَّةِ، فَآتَاهُ اللَّهُ دَلَائِلَ الْمُحَاجَّةِ بِالْكَوْكَبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِمَا نَصَّ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِ {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: ٧٦] ، وَقَوْلِهِ {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: ٧٧] . فَلَمَّا تَمَّتِ الْحُجَّةُ لَهُ فِي أُفُولِ الشَّمْسِ وَآثَارِ الْحَدَثِ فِيهَا، وَاسْتَحْكَمَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى حُدُوثِ مَا دُونَ اللَّهِ، وَعَلَى قِدَمِ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ وَتَعَالِيهِ مِنْ أَوْصَافِ الْحُدُوثِ بِقَوْلِهِ {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} [الأنعام: ٧٩] الْآَيَةَ نَادَاهُمْ بِالْخِلَافِ لَهُمْ لَمَّا اسْتَحْكَمَتْ لَهُ دَلَائِلُ الْعَقْلِ، وَآلَةُ الْحِجَاجِ، فَعِنْدَهَا قَالَ {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} [الأنعام: ٨٠] ، وَقَالَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} فَحَاجُّوهُ فِي حُجَّتِهِمْ، فَهَذَا قَوْلُهُ {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩] . وَقَوْلُهُ: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ» عَلَّقَ فِعْلَ كَبِيرِهِمْ بِكَوْنِ النُّطْقِ مِنْهُ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ كَبِيرُهُمْ يَنْطِقُ، وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ يَنْطِقُونَ فَهُوَ فِعْلُ كَبِيرِهِمْ، فَهَذَا عَلَى التَّبْكِيتِ، لِقَوْلِهِ إِنَّ الَّذِي لَا امْتِنَاعَ لَهُ عَنْ كُرْهٍ، وَلَا نُطْقَ فِيهِ بِالْإِخْبَارِ عَمَّنْ فَعَلَ بِهِ كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا يُعْبَدُ وَرَبًّا يُرْجَى؟ فَقَالُوا {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٣] فَهُوَ فِعْلُ كَبِيرِهِمْ، وَهَذَا صِدْقٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَخْبَرَهُ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ خَبَرِهِ، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَمْ يَكُونُوا يَنْطِقُونَ ⦗٣٣٩⦘. وَقَوْلُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِسَارَةَ: «أُخْتِي» ، يَعْنِي فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُفَسَّرٌ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ: «مَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْكَ؟» قَالَ: «أُخْتِي» قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلْ بِهَا، فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: إِنَّ هَذَا سَأَلَنِي عَنْكِ، فَأَخْبَرْتُهُ إِنَّهَا أُخْتِي، فَلَا تُكَذِّبِينِي عِنْدَهُ، فَإِنَّكَ أُخْتِي فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُكَ وَغَيْرِي " هَذَا كُلُّهُ لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ أَوَّلًا فَأَخْبَرَ أَنَّهَا أُخْتُهُ فِي الدِّينِ وَصَدَقَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] . فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا ثَلَاثًا» ، أَيْ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى صُورَةِ الْكَذِبِ إِلَّا هَذِهِ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهَا عَلَى التَّوَهُّمِ مِنَ السَّامِعِ أَنَّهَا كَذِبَاتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَبَاتٍ، وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي الدَّفْعِ عَنِ الدِّينِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً، وَلَكِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute