للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: أخ أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ح الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، قَالَ: ح الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْخُشَنِيُّ، عَنْ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنْ هِشَامٍ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي فِي الْمُحَارَبَةِ، مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ ⦗٣٧٨⦘ أَنَا فَاعِلُهُ مَا تَرَدَّدْتُ فِي مَسَاءَةِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِمِثْلِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَيَدًا وَمُؤَيِّدًا، يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، وَيَسْتَنْصِحُنِي فَأَنْصَحُ لَهُ، إِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ يُرِيدُ الْبَابَ مِنَ الْعِبَادَةِ فَأَصْرِفُهُ عَنْهُ كَرَاهَةَ أَنْ يَدْخُلَهُ عُجْبٌ فَيُفْسِدَهُ ذَلِكَ، إِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْغِنَى، لَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنَ الْغَنِيِّ مَنْ لَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفَسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْفَقْرُ، لَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الصِّحَّةُ، لَوْ أسْقَمْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا السَّقَمُ، لَوْ أَصْحَحْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنِّي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي بِعِلْمِي بِقُلُوبِهِمْ، إِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْلِيَاءُ اللَّهِ خَصَائِصُهُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ فِي أَزَلِهِ قَبْلَ أَنْ يُوجِدَهُمْ، وَأَنْتَجَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَاسْتَخْلَصَهُمْ وَاصَطَنَعَهُمْ لِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُحَدِثَهُمْ حِينَ أَوْجَدَهُمْ عَنِ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ، وَصَرَفَ الْأَغْيَارَ عَنْهُمْ ضَنًّا بِهِمْ وَغَيْرَةً عَلَيْهِمْ، زَيَّنَهُمْ بِأَوْصَافِهِ، وَحَلَّاهُمْ بِنُعُوتِهِمْ، فَهُمْ عُلَمَاءُ صُلَحَاءُ كِرَامٌ صَادِقُونَ، رُحَمَاءُ حُكَمَاءُ عُدُولٌ مُؤْمِنُونَ، فَهُمْ بِكَثِيرِ أَوْصَافِهِ مَوْصُوفُونَ، وَبِأَسْمَائِهِ وَنُعُوتِهِ مَوْسُومُونَ، قَلَبَ بِصِفَاتِهِ أَحْوَالَهُمْ، وَأَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ أَفْعَالَهُمْ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧] ، قَاتَلَ بِهِمْ أَعْدَاءَهُ، وَانْتَصَرَ بِهِمْ مِمَّنْ عَادَاهُ، فَهُمْ أَنْصَارُ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر: ٨] ، وَقَالَ {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] ، فَلَمَّا كَانُوا أَنْصَارَهُ يُقَاتِلُونَ مَنْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ، وَيُنَاصِبُونَ مَنْ أَشْرَكَ بِهِ، وَيَذُبُّونَ عَنْ دِينِهِ، وَيُقَاتِلُونَ مَعَ رُسُلِهِ، جَعَلَ آذَاهُمْ مُبَارَزَتَهُ، وَإِهَانَتَهُمْ مُنَاصَبَتَهُ، فَقَالَ جَلَّ جَلَالُهُ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] ، سَمَّاهُمْ مُحَارِبِينَ لَهُ لَمَّا آذَوْا أَوْلِيَاءَهُ فِي سَلْبِ أَمْوَالِهِمْ، وَسَفْكِ دِمَائِهِمْ، وَإِخَافَةِ سُبُلِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا خَصَائِصَهُ فَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ بَارَزَهُ، أَيْ أَظْهَرَ مُخَالَفَةَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهِمْ خِلَافَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ، وَأَرَادَهُمْ بِغَيْرِ مَا أَرَادَهُمُ اللَّهُ بِهِ، أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَهَانَهُمُ الْمُؤْذِي لَهُمْ، وَوَالَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَادَاهُمُ الْمُهِينُ لَهُمْ، فَصَارُوا لِلَّهِ مُحَارِبِينَ، وَلَهُ بِالْعَدَوَاةِ بَارِزِينَ، وَلِحُكْمِهِ فِيهِمْ مُخَالِفِينَ ⦗٣٧٩⦘. وَقَوْلُهُ: «مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ» أَيْ مَا رَدَدْتُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فِي مَا فَعَلْتُهُ بِخَلْقِي، كَمَا رَدَدْتُ مُخْتَلَفَ الْأَحْوَالِ عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي إِزَالَةِ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ عَنْهُ بِلَطَائِفَ يُحْدِثُهَا لَهُ وَيُظْهِرُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَوْتَ، وَيَسْأَمَ الْحَيَاةَ

<<  <   >  >>