للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَنَا بِهِ نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: ح سَيَّارٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُوعَ، وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حَجَرَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ الْجُوعَ أَظْهَرَ لَهُمْ مَا أَظْهَرُوا لَهُ، وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا خَرَجَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَيْلًا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَآهُمَا , فَقَالَ لَهُمَا: " مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَا: الْجُوعُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنِي إِلَّا الَّذِي أَخْرَجَكُمَا» أَخْبَرَهُمَا بِمَا شَكَوْا إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ تَطَيُّبًا لِنُفُوسِهِمَا، وَنُفُوسِ أَصْحَابِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ طَعَامًا كَمَا لَمْ يَجِدُوا، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ، وَأَطْيَبَ لِنُفُوسِهِمْ، وَأَرْضَى لَهُمْ بِأَحْوَالِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى عَصْبِ الْحَجَرِ مِنْهُ عَلَى بَطْنِهِ إِشَارَةً مِنْهُ لَهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَوَامَ الَّذِي بِالطَّعَامِ لَيْسَ هُوَ مِنَ الطَّعَامِ، وَلَكِنَّ الْقَوَامَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّ الطَّعَامَ إِنَّمَا يَكُونُ ⦗٦٧⦘ مِنْهُ الْقُوَّةُ، وَالْقَوَامُ بِمَا يَصِلُ مِنْهُ إِلَى الْجَوْفِ، فَعَمَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ مِنْ مَعَانِي الْفِدَاءِ بِهِ، فَرَبَطَهُ مِنْ خَارِجٍ يُرِيهِمْ أَنَّ هَذَا يَقُومُ لَهُ مَقَامَ الطَّعَامِ الَّذِي يَصِلُ إِلَى الْأَجْوَافِ فَيَكُونُ مِنْهُ الْقَوَامُ لِيَقْطَعَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الِاعْتِمَادِ فِي حَالِ الْجُوعِ عَلَى الطَّعَامِ، وَيَصْرِفَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّقْوِيَةِ بِمَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَيَكُونَ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْأَسْبَابِ، وَيَكُونَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَعَلَهُ تَأَسِّيًا بِهِ وَقُدْوَةً، فَيَحْمِلُهُمْ تَرْكُهُ الْأُسْوَةَ عَنِ الْجُوعِ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ عُيُونَ أَصْحَابِهِ فَعَلُوا ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا إِشَارَتَهُ فِي ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَرْبِطُوهَا عَلَى بُطُونِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَبْطُ الْحَجَرِ مِنْهُ مُقَابَلَةَ أَصْحَابِهِ بِمَا أَظْهَرُوهُ مِنَ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ، فَقَابَلَهُمْ بِمِثْلِهِ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ ضِعْفِ الْبَشَرِيَّةِ، وَعَجْزِ صِفَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الطَّعَامِ عَلَى جَلَالَةِ قَدْرِهِ، وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ، وَارْتِفَاعِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ جَلَالُهُ {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: ٨] ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: ٢٠] الْآيَةَ، ثُمَّ لَمَّا أَظْهَرُوا الْقُوَّةَ مِنْ نُفُوسِهِمْ مِنَ الْوِصَالِ أَرَاهُمْ ضَعْفَهُمْ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَعَجْزَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ لَتُوَاصِلُ، فَقَالَ: «لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ , إِنَّ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» ، ثُمَّ وَاصَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ فَقَالَ: «لَوْ غُمَّ عَلَيَّ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ» ، قَالَ فِي الْحَدِيثِ كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ حِينَ أَظْهَرُوا قُوَّةً مِنْ نُفُوسِهِمْ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَعْفِ أَوْصَافِ الْبَشَرِيَّةِ، وَعَجْزِهَا بِالْوَارِدِ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: «إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ» صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

<<  <   >  >>