أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَازِمِيُّ الْبُخَارِيُّ , حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ الْأَزْدِيُّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، إِمْلَاءً , حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ⦗١١٨⦘ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ الْكُوفِيُّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى , " {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: ٨٢] قَالَ: عِلْمُ صُحُفٍ , قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: وَأَيُّ كَنْزٍ أَفْضَلُ مِنَ الْعِلْمِ , قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَنْ يُصَانَ الْعِلْمُ بِمِثْلِ بَذْلِهِ , وَلَنْ تُكَافَأَ النِّعْمَةُ فِيهِ بِمِثْلِ نَشْرِهِ , وَقِرَاءَةُ الْكُتُبِ أَبْلَغُ فِي إِرْشَادِ الْمُسْتَرْشِدِ مِنْ مُلَاقَاةِ وَاضِعِيهَا , إِذَا كَانَ مَعَ التَّلَاقِي يَقْوَى التَّصَنُّعُ , وَيَكْثُرُ التَّظَالُمُ , وَتَفْرُطُ النُّصْرَةُ , وَتَشْتَدُّ الْحَمِيَّةُ , وَعِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ يَمْلِكُ حُبُّ الْغَلَبَةِ , وَشَهْوَةُ الْمُبَاهَاةِ وَالرِّيَاسَةِ , مَعَ الِاسْتِحْيَاءِ مِنَ الرُّجُوعِ , وَالْأَنَفَةِ مِنَ الْخُضُوعِ , وَعَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ يَحْدُثُ التَّضَاغُنُ , وَيَظْهَرُ التَّبَايُنُ , وَإِذَا كَانَتِ الْقُلُوبُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ , امْتُنِعَتْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ , وَعَمِيَتْ عَنِ الدَّلَالَةِ , وَلَيْسَتْ فِي الْكُتُبِ عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ دَرْكِ الْبُغْيَةِ , وَإِصَابَةِ الْحُجَّةِ , لِأَنَّ الْمُتَوَحِّدَ بِقِرَاءَتِهَا , وَالْمُتَفَرِّدَ بِعِلْمِ مَعَانِيهَا , لَا يُبَاهِي نَفْسَهُ وَلَا يُغَالِبُ عَقْلَهُ , قَالَ: وَالْكِتَابُ قَدْ يَفْضُلُ صَاحِبَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى وَاضِعِهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّ الْكِتَابَ يُقْرَأُ بِكُلِّ مَكَانٍ , وَيَظْهَرُ مَا فِيهِ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ , وَمَوجُودٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَعْصَارِ وَبَعْدِ مَا بَيْنَ الْأَمْصَارِ وَذَلِكَ أَمَرٌ مُسْتَحِيلٌ فِي وَاضِعِ الْكِتَابِ , وَالْمُنَازِعِ بِالْمَسْئَلَةِ وَالْجَوَابِ وَقَدْ يَذْهَبُ الْعَالِمُ وَتَبْقَى كُتُبُهُ , وَيَفْنَى الْعَقْلُ وَيَبْقَى أَثَرُهُ , وَلَوْلَا مَا رَسَمَتْ لَنَا الْأَوَائِلُ فِي كُتُبِهَا , وَخَلَّدَتْ مِنْ فُنُونِ حِكَمِهَا , وَدَوَّنَتْ مِنْ أَنْوَاعِ سِيَرِهَا , حَتَّى شَاهَدْنَا بِذَلِكَ مَا غَابَ عَنَّا , وَأَدْرَكْنَا بِهِ مَا بَعُدَ مِنَّا , وَجَمَعْنَا إِلَى كَثِيرِهِمْ قَلِيلَنَا , وَإِلَى جَلِيلِهِمْ يَسِيرَنَا , وَعَرَفْنَا مَا لَمْ نَكُنْ لِنَعْرِفَهُ إِلَّا بِهِمْ , وَبَلَغْنَا الْأَمَدَ الْأَقْصَى بِقَرِيبِ رُسُومِهِمْ , إِذًا لَخَسِرَ طُلَّابُ الْحِكْمَةِ , وَأَنْقَطَعَ سَبَبُهُمْ عَنِ الْمَعْرِفَةِ , وَلَوْ أُلْجِئْنَا إِلَى مَدَى قُوَّتِنَا وَمَبْلَغِ مَا تَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ خَوَاطِرُنَا , وَتَرَكْنَا مَعَ مُنْتَهَى تِجَارَتِنَا , لِمَا أَدْرَكَتْهُ حَوَاسُّنَا , وَشَاهَدَتْهُ نُفُوسُنَا , لَقَلَّتِ الْمَعْرِفَةُ , وَقَصُرَتِ ⦗١١٩⦘ الْهِمَّةُ , وَضَعُفْتِ الْمِنَّةُ , وَمَاتَتِ الْخَوَاطِرُ وَتَبَلَّدَ الْعَقْلُ وَنَقَصَ الْعِلْمُ , فَكَانَ مَا دُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ أَكْثَرَ نَفْعًا وَمَا تَكَلَّفُوهُ مِنْ ذَلِكَ أَحْسَنَ مَوْقِعًا وَيَجِبُ الِاقْتِفَاءُ لِآثَارِهِمْ وَالِاسْتِضَاءُ بِأَنْوَارِهِمْ فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ , وَلَهُ أَجْرُ مَا احْتَسَبَ