للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٣٢ - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ ⦗٢١٧⦘ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ - فَأَتَوْهُ وَهُوَ بِإِيلِيَا، فَدَعَاهُمْ إِلَى مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ» ؟ قَالُوا: «أَبُو سُفْيَانَ» فَقُلْتُ: «أَنَا أَقْرَبُهُمْ بِهِ نَسَبًا» فَقَالَ: «ادْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ» ، فَجَعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: " قُلْ لَهُمْ: إِنِّي سَائِلُ هَذَا عَنِ الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ ". قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: «فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ أَنْ يَأْثِرُوا عَلِيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُهُ عَنْهُ» ، قَالَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: «كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ» ؟ . قُلْتُ: «هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ» . قَالَ: «فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ» ؟ . قُلْتُ: «لَا» . قَالَ: «فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ» ؟ . قُلْتُ: «لَا» . قَالَ: «فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ» ؟ . قُلْتُ: «بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ» . قَالَ: «أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ» ؟ . قُلْتُ: «بَلْ يَزِيدُونَ» . قَالَ: «فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ» ؟ . قُلْتُ: «لَا» . قَالَ: «فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الَّذِي قَالَ» ؟ . قُلْتُ: «لَا» . قَالَ: «فَهَلْ يَغْدِرُ» ؟ ⦗٢١٨⦘. قُلْتُ: «لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةِ [هُدْنَةٍ] لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا» ، وَلَمْ يُمَكِّنُنِي كَلِمَةً أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ: «فَهَلْ تُقَاتِلُونَهُ» ؟ . قُلْتُ: «نَعَمْ» . قَالَ: «كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ» ؟ . قُلْتُ: «الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ» . قَالَ: «فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ [بِهِ] » ؟ . قُلْتُ: " يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا [مَا يَعْبُدُ] آبَاؤُكُمْ «وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ» . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: " قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ لَا، قُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتَ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ بِمَنْ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَذَكَرْتَ: لَا، قُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتَ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَهُ؟ فَذَكَرْتُ: لَا، فَقَدْ عَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: أَيَرْتَدُّ مِنْهُمْ [أَحَدٌ] سَخْطَةً لِدِينِهِ [بَعْدَ] أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ يُخَالِطُ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا ⦗٢١٩⦘ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عُبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَينِ، وَهُوَ نَبِيُّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ [كَذَا] قَدَمَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ، فَقَرَأَهُ، فَإِذَا هُوَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَّامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ، أَسْلِمْ؛ تَسْلَمْ؛ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنٍ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّيِنَ، وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: ٦٤] الْآيَةَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، قُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ [بَلَغَ] أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلِيَّ الْإِسْلَامَ. وَكَانَ ابْنُ نَاطُورٍ - وَهُوَ صَاحِبُ إِيلِيَا - وَهِرَقْلُ أَسَقُفَّةً عَلَى نَصَارَى الشَّامِ - يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَا أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: لَقَدْ أَنْكَرْنَا هَيْأَتَكَ، فَقَالَ ابْنُ نَاطُورٍ، وَكَانَ هِرَقْلُ رَجُلًا [حَزَّاءً] يَنْظُرُ إِلَى النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلَكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهْرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالُوا: لَيْسَ يَخْتَتِنُ غَيْرَ الْيَهُودِ، فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنَهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائِنِ مُلْكِكَ فَلْيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ ذَلِكَ أَتَى هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلَكُ غَسَّانَ يُخْبِرُهُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ، قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتَنٌ هُوَ أَوْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوا أَنَّهُ مُخْتَتَنٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ أَيَخْتَتِنُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ هُمْ يَخْتَتِنُونَ ⦗٢٢٠⦘، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهْرَ، فَكَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِالرُّومِيَّةِ، وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَى كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْتَكْرَةٍ لَهُ فِي حِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا، فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ؟ تَتَّبِعُونَ هَذَا الرَّجُلَ» ، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمْرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ أُغْلِقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلَ نَفْرَتَهُمْ وَأَيسَ مِنْ قَبُولِهِمْ قَالَ: «رُدُّوهُمْ عَلَيَّ» ، وَقَالَ: «إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِيَ أَحَبُّ مِنْكُمْ» ؛ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرُ شَأنِ هِرَقْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>