للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَبْدُ الرَّزَّاقِ،

٩٧١٨ - عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ أَبْتَغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ، فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ فَقَالَ:

[البحر الكامل]

لَاهُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْـ ... لَهُ فَامْنَعْ رِحَالَكْ

⦗٣١٤⦘

لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالَكْ

فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ فِيهِمْ بِصَبْرِهِ، وَتَعْظِيمِهِ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وُلِدَ لَهُ أَكْبَرُ بَنِيهِ، فَأَدْرَكَ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: احْفُرْ زَمْزَمَ، خَبِيئَةَ الشَّيْخِ الْأَعْظَمِ قَالَ: فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى: احْفُرْ زَمْزَمَ تَكْتُمْ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ فِي مَبْحَثِ الْغُرَابِ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ، مُسْتَقْبِلَةَ الْأَنْصَابِ الْحُمْرِ قَالَ: فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَمَشَى حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ مَا خُبِّئَ لَهُ مِنَ الْآيَاتِ، فَنُحِرَتْ بَقْرَةٌ بِالْحَزُورَةِ، فَأَفْلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ ⦗٣١٥⦘ نَفْسِهَا، حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ الْبَقْرَةُ فِي مَكَانِهَا، حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ، فَبَحَثَ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَحْفِرُ هُنَالِكَ، فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصَّنِيعُ؟ لَمْ نَكُنْ نَزُنَّكَ بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحْفُرُ فِي مَسْجِدِنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ الْبِئْرَ، وَمُجَاهِدٌ مَنْ صَدَّنِي عَنْهَا، فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَيَسْعَى عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيُنَازِعُونَهُمَا، وَيُقَاتِلُونَهُمَا، وَيَنْهَى عَنْهُ النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصِدْقِهِ، وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، نَذَرَ إِنْ وُفِيَ لَهُ بِعَشْرَةٍ مِنَ الْوِلْدَانِ يَنْحَرُ أَحَدَهُمْ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَحْذِنَا مِمَّا وَجَدْتَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: بَلْ هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ ⦗٣١٦⦘ اللَّهِ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ الْمَاءَ، فَحَفَرَهَا فِي الْقَرَارِ ثُمَّ بَحَرَهَا حَتَّى لَا تُنْزِفُ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا، وَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ فَيَمْلَآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسَرُهُ نَاسٌ مِنْ حَسَدَةِ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، وَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا إِفْسَادَهُ، دَعَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كَفَيْتُهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ أَجْفَلَتْ قُرَيْشٌ بِالْمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ حَوْضَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رُمِيَ بِدَاءٍ فِي جَسَدِهِ، حَتَّى تَرَكُوا لَهُ حَوْضَهُ ذَلِكَ، وَسِقَايَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ فَوُلِدَ لَهُ عَشْرَةُ رَهْطٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ، وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ، فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ، فَأَقْرِعْ بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ ⦗٣١٧⦘، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَحْسَنُ رَجُلٍ رُئِيَ فِي قُرَيْشٍ قَطُّ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ أَيَّتُكُنَّ يَتَزَوَّجُهَا هَذَا الْفَتَى فَنَصَطَتِ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، - قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورٌ - فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَجَمَعَهَا فَالْتَقَتْ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بِهَا، وَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِي حِجْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ سُوقَ عُكَاظٍ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ عُكَاظٍ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا، فَرَاعَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا، حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ تَحْضُنُهُ، فَجَاءَتْهُ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّتَاهُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي آنِفًا، فَشَقُّوا بَطْنَهُ، فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي ⦗٣١٨⦘ تُرْضِعُهُ فَزِعَةً، حَتَّى أَتَتْهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، لَا تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا، فَارْتَحَلَتْ بِهِ، حَتَّى أَقْدَمَتْهُ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا: اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: لَا وَاللَّهِ، مَا بِابْنِي مَا تَخَافِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ نُورٌ مِنِّي أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَلَقَدْ وَلَدْتُهُ حِينَ وَلَدْتُهُ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، فَهَمَّ فِي حِجْرِ جَدِّهِ، فَكَانَ - وَهُوَ غُلَامٌ - يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ وَقَدْ كَبُرَ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُهُ: انْزِلْ عَنْ وِسَادَةِ جَدِّكَ، فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعِي ابْنِي فَإِنَّهُ مُحْسِنٌ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ، ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ، فَلَمَّا نَزَلَا تَيْمَاءَ رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَمِيمٍ، فَقَالَ لِأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: هُوَ ابْنُ أَخِي، قَالَ لَهُ: أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ إِلَى الشَّامِ لَا تَصِلُ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا، لَيَقْتُلُنَّهُ، إِنَّ هَذَا عَدُوُّهُمْ، فَرَجَعَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلُمَ، أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ ⦗٣١٩⦘ مِنْ مِجْمَرِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَأَحْرَقَتْهَا، وَوَهَتْ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِهَا، وَهَابُوا هَدْمَهَا، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: مَا تُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا؟ الْإِصْلَاحَ تُرِيدُونَ أَمِ الْإِسَاءَةَ؟ فَقَالُوا: بَلِ الْإِصْلَاحُ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْلِكُ الْمُصْلِحَ قَالُوا: فَمَنِ الَّذِي يَعْلُوهَا فَيَهْدِمُهَا؟ قَالَ الْوَلِيدُ: أَنَا أَعْلُوهَا، فَأَهْدِمُهَا، فَارْتَقَى الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ، وَمَعَهُ الْفَأْسُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، ثُمَّ هَدَمَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدْ هَدَمَ مِنْهَا، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا خَافُوا مِنَ الْعَذَابِ، هَدَمُوا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ، اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ، أَيُّ الْقَبَائِلِ تَرْفَعُهُ؟ حَتَّى كَادَ يَشْجُرُ بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ، فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِسَيِّدِ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَأَعْطَاهُ بِنَاحِيَةِ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى وَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ. ثُمَّ طَفِقَ لَا يَزْدَادُ فِيهِمْ بِمَرِّ السِّنِينَ إِلَّا رِضًا، حَتَّى سَمَّوْهُ الْأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، ثُمَّ طَفِقُوا لَا يَنْحَرُونَ جَزُورًا لِبَيْعٍ إِلَّا دَرُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فِيهَا ⦗٣٢٠⦘. فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَالِ اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ وَهُوَ سُوقٌ بِتَهَامَةَ وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلًا آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْهَا مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةِ أَجِيرٍ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تُخْبِئْهُ لَنَا قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سُوقِ حُبَاشَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُ لِصَاحِبِي: انْطَلِقْ بِنَا نُحْدِثُ عِنْدَ خَدِيجَةَ قَالَ: فَجِئْنَاهَا فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهَا إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا مُنْتَشِيَةٌ مِنْ مُوَلَّدَاتِ قُرَيْشٍ وَالْمُنْتَشِيَةُ النَّاهِدُ الَّتِي تَشْتَهِي الرَّجُلَ قَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا فَقُلْتُ: كَلَّا، فَلَمَّا خَرَجْنَا أَنَا وَصَاحِبِي قَالَ: أَمِنْ خِطْبَةِ خَدِيجَةَ تَسْتَحِي؟ فَوَاللَّهِ مَا مِنْ قُرَشِيَّةٍ إِلَّا تَرَاكَ لَهَا كُفْوًا قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا تِلْكَ الْمُنْتَشِيَةُ، فَقَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا قَالَ: قُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ: أَجَلْ قَالَ: فَلَمْ تُعْصِنَا خَدِيجَةُ وَلَا أُخْتُهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ فَقَالَتْ: هَذَا ابْنُ ⦗٣٢١⦘ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَخْطُبُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ فَأَنْكَحَهُ قَالَ: فَخَلَّقَتْ خَدِيجَةُ، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَحَا الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَلُوقُ؟ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَتْ أُخْتُ خَدِيجَةَ: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاكَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا، فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَنْ سَلَّمَ، وَاسْتَحْيَى وَطَفِقَتْ رُجَّازٌ مِنْ رُجَّازِ قُرَيْشٍ تَقُولُ: لَا تَزْهَدِي خَدِيجُ فِي مُحَمَّدٍ جِلْدٌ يُضِيءُ كَضِيَاءِ الْفَرْقَدِ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ، وَكَانَ لَهَا وَلَهُ الْقَاسِمُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءَ أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا آخَرَ يُسَمَّى الطَّاهِرُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ لَهُ إِلَّا الْقَاسِمَ، وَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتَهُ الْأَرْبَعَ: زَيْنَبَ، وَفَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ يَتَحَنَّثُ وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ "

<<  <  ج: ص:  >  >>