للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّا لَجُلوسٌ مَعَ رِسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في المسْجِد إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مَا عَلَيْهِ إِلاّ بُرْدَةٌ (١) لَهُ مَرْقُوعَةٌ بِفَرْوَةٍ (٢)، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بَكَى (٣) لِلَّذِي كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَالَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْمَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ (٤)، وَرَاحَ فِي حُلَّة، وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ، وَرُفِعَتْ أُخْرَى، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟ قالَوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا الْيَوْمَ: نَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ (٥)، وَنُكْفَى الْمَؤُونَةَ (٦)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: لأَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ. رواه الترمذي من طريقين تقدم لفظ أحدهما مختصراً، ولم يسم فيهما الراوي عن عليّ، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أبو يعلى ولم يسمه أيضاً، ولفظه:

أنتم اليوم خير أم إذا غُدِيَ على أحدكم بجفنة من خبز ولحم

عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجْتُ في غَدَاةٍ (٧) شَاتِيَةٍ، وَقَدْ أَوْبَقَنِي (٨) الْبَرْدُ فَأَخَذْتُ ثَوْباً مِنْ صُوفٍ كَانَ عِنْدَنَا، ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ في عُنُقِي، وَحَزَّمْتُهُ عَلَى صَدْرِي أَسْتَدْفِئُ بِهِ، واللهِ مَا فِي بَيْتِي شَيءٌ آكُلُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ في بَيْتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ لَبَلَغَنِي (٩)، فَخَرَجْتُ في بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَة، فَانْطَلَقْتُ إِلى يَهُودِيٍّ في حَائِطٍ (١٠) فاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثَغْرَةٍ (١١) في جِدَارِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ هَلْ لَكَ في دَلْوٍ (١٢) بِتَمْرَةٍ. قُلْتُ: نَعَم، افْتَحْ لِي الْحَائِطَ، فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَجَعَلْتُ أَنْزِعُ الدَّلْوَ (١٣) وَيُعْطِينِي تَمْرَةً حَتَّى مَلأْتُ كَفِّي، قُلْتُ: حَسْبِي مِنْكَ الآنَ، فَأَكَلْتُهُنَّ، ثُمَّ جَرَعْتُ


(١) كساء صغير مربع، ويقال كساء أسود صغير أهـ مصباح.
(٢) بالية ممزقة تسد ثغرتها فروة من جلد.
(٣) رأف به صلى الله عليه وسلم ورثى لحاله وتذكر ما كان فيه من سعة العيش ورغده، وقد زال وجاء إليه الفقر.
(٤) على أي حال تكونون إذا أصبح أحدكم في ملابس جديدة وأمسى في غيرها من شدة الترف وكثرة النعيم وتقدم له طعام شهي وخلفه أشهى وأحلى منه، وبنيتم لكم قصوراً شاهقة ومنازل شامخة وقد حصل والحمد لله. الآن سنة ١٣٧٥.
(٥) نخلص لطاعة الله تعالى.
(٦) نقضي حاجاتنا فأخبر صلى الله عليه وسلم أن حالتهم على القلة أفضل من حالة الأغنياء أصحاب الثروة والضيعات، وأنهم على الحالة الأولى أكثر ثواباً لو أغناهم الله.
(٧) صبيحة يوم بارد ممطر.
(٨) أهلكني وآلمني.
(٩) لنلته ووصلني.
(١٠) بستان.
(١١) شق.
(١٢) في إخراج الماء كل دلو تأخذ تمرة أجراً على هذا.
(١٣) أخرجه من البئر.

<<  <  ج: ص:  >  >>