للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ في الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَطَلَعَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ في بُرْدَةٍ لَهُ مَرْفُوعَةٍ بِفَرْوَةٍ، وَكَانَ أَنْعَمَ غُلامٍ بِمَكَّةَ، وَأَرْهَفَهُ عَيْشاً (١)، فَلَمَّا رآهُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَرَأَى حَالَهُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، فَذَرِفَتْ (٢) عَيْنَاهُ فَبَكَى، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غُدِيَ (٣) عَلَى أَحَدِكُمْ بِجَفْنَةٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ، وَرِيحَ عَلَيْهِ بِأُخْرَى، وَغَدَا في حُلَّةٍ، وَرَاحَ في أُخْرَى، وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ كَما تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ؟ قُلْنَا: بَلْ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ نَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ. قالَ: بَلْ أَنْتُمْ الْيَوْمَ خَيْرٌ (٤).

شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بيته

١٤٢ - وَعَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أَتَاهَا يَوْماً فَقَالَ: أَيْنَ ابْنَايَ؟ يَعْنِي حَسَناً وَحُسَيْناً، قالَتْ: أَصْبَحْنَا، وَلَيْسَ في بَيْتِنَا شَيْءٌ يَذُوقُهُ (٥) ذَائِقٌ، فَقالَ: عَلِيٌّ: أَذْهَبُ بِهِمَا، فَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ يَبْكِيَا عَلَيْكِ، وَلَيْسَ عِنْدَكِ شَيْءٌ، فَذَهَبَ إِلى فُلانٍ الْيَهُودِيِّ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم، فَوَجَدَهُمَا يَلْعَبَانِ في شَرَبَةٍ (٦) بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَضْلٌ مِنْ (٧) تَمْرٍ، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَلا تَقْلِبُ (٨) ابْنَيَّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ الْحَرُّ؟ قالَ: أَصْبَحْنَا وَلَيْسَ في بَيْتِنَا شَيءٌ (٩)،

فَلَو جَلَسْتَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَجْمَعَ


(١) أكثر رفاهة ونعمة وسعة من الرزق.
(٢) دمعت، وذرف الدمع: سال.
(٣) جاء إليه غدوة، وهي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس: أي أقبل عليه أنواع الطعام صباحاً ومساءً وغمر بالنعيم وأغدق بالخير وكثرت عنده حاجات المعيشة ووفرت ملابسه وزاد ترفه.
(٤) حالتكم الآن أفضل وأكثر قبولاً للأعمال الصالحة.
(٥) يطعمه طاعم.
(٦) حوض يكون في أصل النخلة وحولها يملأ ماء لتشرب أهـ نهاية، أي يلعبان في فناء واسع.
(٧) زيادة.
(٨) ألا تردهما، يقال قلبته قلباً: حولته عن وجهه: أي أود أن تذهبهما إلى البيت اتقاء الحر.
(٩) بيته ليست فيه أطعمة ولا شيء مع علو كعبه وإذاعة صيته، ولكنه رضي بالقليل زهداً في الدنيا. وهذا الشاعر محمود باشا سامي البارودي:
والدهر كالبحر لا ينفك ذا كدر ... وإنما صفوه بين الورى لمع
لو كان للمرء فكر في عواقبه ... ما شان أخلاقه حرص ولا طمع
وكيف يدرك ما في الغيب من حدث ... من لم يزل بغرور العيش ينخدع
دهر يغر وآمال تسر وأعمال تمر وأيام لها خدع
يسعى الفتى لأمور قد تضربه ... وليس يعلم ما يأتي وما يدع
يا أيها السادر المزور من صلف ... مهلاً فإنك بالأيام منخدع
دع ما يريب وخذ ما قد خلقت له ... لعل قلبك بالإيمان ينتفع =

<<  <  ج: ص:  >  >>