قرأ على الشيوخ وحصل علما كثيرا، ولكن غلب عليه الشعر فكان مكسبه ورأس ماله ومتجره. ومدائحه في ملوك الموصل كثيرة جدا، وكلها رائق معجب، مع حسن صوغ، وجودة سبك. وكذا مدائحه في غيرهم. وكان قد أصابه نوع مرض غير فكره، واثر في عقله، ومع ذلك فأشعاره في غاية اللطافة والظرافة. وكنت ازوره أحيانا. وكنت قبلها أسمع به واحب ان أراه، فلما رأيته كان عندي كزيد الخيل، لكنه كان من رثاثة الحال وعدم انتظام الزي في مكان لا يجحد .... وكان بينه وبين علي العمري بن علي صحبة تامة وله فيه مداثح كثيرة. والتمس منه صديقنا ابراهيم بن محمد امين ان يمدحه بقصيدة ففعل، فجعل يماطله بالجائزة، فارسل اليه بطلب الفصيدة. مات رحمه الله سنة ست وثمانين ومائة والف. ثم ذكر شيئا من شعره وقال بعد ذلك. وقصائده كلها فائقة ومقاطيعه باسرها رائقة. وقد ذكرت في كتابي مراتع الاحداق جملة حسنة من نظمه، واوردت معارضاتي لها في اول ابتهاجي بالقريض وتولعي بفنونه. وبالجملة فليس لاحد من شعراء الموصل من اللطائف ما لهذا الرجل. وانما يلفقون الكلمات حتى يتم الوزن ولا يلتفتون الى انسجام المعاني وجزالتها. وفخامة الالفاظ ورقتها. فمثلهم كناظم لؤلؤ وخرز في ليلة، يجمع الحبات حتى يملأ السلك، ولا يلتفت الى مواقع الحبات ومواطنها اللائقة بها، لقلة ممارسة علم البيان ومطالعة دواوين الفصحاء. وقد ألف كتاب شمامة العنبر، وهو كتاب في تراجم شعراء عصره شعراء عصره، على غرار الروض النضر وقد ترجم لنفسه فيه وذكر بعض شعره (ص ١١٢ - ١٢٢) فاثنى على نفسه-