للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحدًا ولكنه جميع ضروبه، وقد يكون اللفظ واحدًا والمعنى المراد به الجميع، خصوصًا في النفي، فإن النفي قد يقع فيه الواحد موضع الجميع، وإن لم يُبْنَ فيه الاسمُ مع لا النافية، نحو قولك: ما (١) رجل في الدار (٢)، هذا الذي ذكرنا يكون وجه القراءتين في قوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} ولم يختلفوا في نصب (لا جدال). وذلك أن الرفث والفسوق متفقان في المعنى وهو النهي، كأنه قيل: لا ترفثوا ولا تفسقوا، والجدال مخالف لهما في المعنى؛ لأن معنى لا جدال في الحج أي: الحج في ذي الحجة (٣) على ما حكينا عن مجاهد وأبي عبيدة، فلما كان معنى الأولَيْن نهيًا ومعنى الثالث خبرا، أرادوا الفرق بين اللفظين، لتكون مخالفةُ ما بينهما في اللفظ لمخالفة (٤) ما بينهما في المعنى (٥).


(١) في (م) (لا) وفي (أ) (هل).
(٢) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٩١ - ٢٩٢.
(٣) في (ش) معنى لا جدال النفي أي لا جدال أي الحج في ذي الحجة.
(٤) في (ش) (كمخالفة) وفي (م) (للمخالفة).
(٥) ينظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٣ - ١٢٤، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨ - ٩٠، وقد تعقب أبو حيان في "تفسيره" ٢/ ٩٠ الزمخشري في دعواه أن قراءة أبي عمرو وابن كثير: (لا رفث ولا فسوق)، بالرفع، (لا جدال)، بالنصب، بأنهما حملا الأولين على النهي، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج، فقال: الرفع والبناء لا يقتضيان شيئا من ذلك، بل لا فرق بين الرفع والبناء في أن ما كانا فيه كان مبنيا، وأما أن الرفع يقتضي الابتداء والبناء يقتضي الخبر فلا، ثم قراءة الثلاثة بالرفع، وقراءتها كلها بالبناء يدل على ذلك، غاية ما فرق بينهما أن قراءة البناء نص على العموم، وقراءة الرفع مرجحة له، فقراءتهما الأولين بالرفع، والثالث بالبناء على الفتح إنما ذلك سنة متبعة، إذا لم يتأد ذلك إليهما إلا على هذا الوجه من الوجوه الجائزة في العربية في مثل هذا التركيب. ثم بيَّن رحمه الله الخلاف في الآية هل يراد بها النفي حقيقة فيكون إخبارا، أو صورتها صورة النفي والمراد به النهي، ورجح الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>