للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مورده ههنا، وإن لم أكن على ثقة منه (١)، وهو أن هذا الشاعر الأحصّي دخل على سيف الدولة، فأنشده قصيدة له فيه، فاعتذر سيف الدولة بضيق اليد يومئذ، وقال له: أعذر فما يتأخر عنا حمل المال إلينا، فإذا بلغك ذلك فأتنا لنضاعف جائزتك، ونحسن إليك. فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السّخال وتطعم لحومها، فعاد إلى سيف الدولة فأنشده هذه الأبيات:

رأيت بباب داركم كلابا ... تغذّيها وتطعمها السّخالا

فما في الأرض أدبر من أديب ... يكون الكلب أحسن منه حالا

ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال، فضاع منها بغل بما عليه، وهو عشرة آلاف دينار، وجاء هذا البغل حتى وقف على باب الناشي الشاعر بالأحصّ، فسمع حسّه، فظنّه لصّا، فخرج إليه بالسلاح، فوجده بغلا موقرا بالمال، فأخذ ما عليه من المال وأطلقه، ثم دخل حلب، ودخل على سيف الدولة وأنشده قصيدة له يقول فيها:

ومن ظنّ أن الرّزق يأتي بحيلة ... فقد كذّبته نفسه، وهو آثم

يفوت الغنى من لا ينام عن السّرى ... وآخر يأتي رزقه وهو نائم

فقال له سيف الدولة: بحياتي! وصل إليك المال الذي كان على البغل؟ فقال: نعم. فقال: خذه بجائزتك مباركا لك فيه. فقيل لسيف الدولة: كيف عرفت ذلك؟ قال عرفته من قوله: وآخر يأتي رزقه وهو نائم، بعد قوله: يكون الكلب أحسن منه حالا (٢).

(٣٣) النسبة: الأخسيكثي، نسبة إلى أَخْسِيكَث: بالفتح، ثم السكون، وكسر السين المهملة، وياء ساكنة، وكاف وثاء مثلثة، وبعضهم يقوله بالتاء المثناة، وهو الأولى، لأن المثلثة ليست من حروف العجم: اسم مدينة بما وراء النهر، هي قصبة ناحية فرغانة، على شاطئ نهر الشاش على أرض مستوية، بينها وبين الجبال نحو من فرسخ "٢٤ كم" على شمالي النهر، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب.

والمنسوب أبو الوفاء محمد بن محمد بن القاسم الأخسيكثي، كان إماما في اللغة


(١) معجم البلدان ١/ ١١٤.
(٢) معجم البلدان ١/ ١١٥.

<<  <   >  >>