للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: (وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ , فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ , فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ , وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا (١) فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ , فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: لَا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ , وَلَا نُنْعِمُكَ عَيْنًا , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أَحْسَنَتْ الْأَنْصَارُ , سَمُّوا بِاسْمِي, وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي) (٢) (فَإِنِّي بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ) (٣) (سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ") (٤)

الشرح (٥)


(١) أَيْ: لَا نُقِرُّ عَيْنَكَ بِذَلِكَ. شرح النووي على مسلم - (ج ٧ / ص ٢٥٣)
(٢) (خ) ٢٩٤٧ , (م) ٢١٣٣
(٣) (م) ٢١٣٣ , (خ) ٢٩٤٦
(٤) (خ) ٥٨٣٢ , (م) ٢١٣٣
(٥) قَالَ النَّوَوِيّ: اخْتُلِفَ فِي التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِب:
الْأَوَّل: الْمَنْعُ مُطْلَقًا , سَوَاءٌ كَانَ اِسْمُهُ مُحَمَّدًا أَمْ لَا، ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيّ , وَالثَّانِي: الْجَوَاز مُطْلَقًا، وَيَخْتَصُّ النَّهْيُ بِحَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَالثَّالِث: لَا يَجُوزُ لِمَنْ اِسْمُهُ مُحَمَّد , وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصَحّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَار مِنْ غَيْرِ إِنْكَار.
قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيث، وَأَمَّا إِطْبَاقُ النَّاسِ عَلَيْهِ , فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَس " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي السُّوق فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُول: يَا أَبَا الْقَاسِم، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ، فَقَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي , وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي " , قَالَ: فَفَهِمُوا مِنْ النَّهْيِ الِاخْتِصَاصَ بِحَيَاتِهِ لِلسَّبَبِ الْمَذْكُور، وَقَدْ زَالَ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم اِنْتَهَى.
وَهَذَا السَّبَبُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيح، فَمَا خَرَجَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ عَنْ الظَّاهِرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَبِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ قَالَ الظَّاهِرِيَّة، وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّي اِبْنه الْقَاسِمَ , لِئَلَّا يَكُنَّى أَبَا الْقَاسِم.
وَاحْتُجَّ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ حَدِيثِ عَلِيّ قَالَ: " قُلْت: يَا رَسُولَ الله , إِنْ وُلِدَ لِي مِنْ بَعْدِك وَلَدٌ , أُسَمِّيه بِاسْمِك , وَأُكَنِّيه بِكُنْيَتِك؟ , قَالَ: نَعَمْ " وَفِي بَعْض طُرُقه: " فَسَمَّانِي مُحَمَّدًا , وَكَنَّانِي أَبَا الْقَاسِم " وَكَانَ رُخْصَةً مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب.
فَلَعَلَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا تَخْصِيصَ النَّهْيَ بِزَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ سَمَّى اِبْنَهُ مُحَمَّدًا , وَكَنَّاهُ أَبَا الْقَاسِم , وَهُوَ طَلْحَة بْن عُبَيْد الله.
قَالَ عِيَاض: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ , وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَار، وَفِي الْجُمْلَةِ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ , الْمَذْهَبُ الْمُفَصَّل الْمَحْكِيُّ أَخِيرًا مَعَ غَرَابَتِه.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة بَعْد أَنْ أَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ مِنْ حَيْثُ الْجَوَاز: لَكِنَّ الْأَوْلَى الْأَخْذُ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّل , فَإِنَّهُ أَبْرَأ لِلذِّمَّةِ , وَأَعْظَمُ لِلْحُرْمَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح الباري (١٧/ ٣٨٩)