وقال عبد الله: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين، وقد كان في زمن الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سُبعًا من القرآن، يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمةٌ في كل سبع ليالٍ سوى صلاة النهار، وكان ساعةَ يصلي العشاء الآخرة ينامُ نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو.
وخرج الشافعي ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل إلى مكة، فلما صاروا بمكة نزلوا في موضع، فاستلقى الشافعي واستلقى يحيى بن معين أيضًا وقام أحمد يصلي، فلما أصبحوا قال الشافعي: لقد عملت للمسلمين مئتي مسألة. وقال يحيى بن معين: نفيت عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مئتي كذَّاب. وقال أحمد: صليت ركعات ختمت فيها القرآن.
وقال أحمد: افتتحت القرآن في يوم فعددت مواضع الصبر، فإذا هو نيف وتسعون.
وكانت له قلنسوة قد خاطها بيده فيها قطن، فإذا قام من الليل لَبِسَها، وكان كثيرًا ما يقرأ سورة الكهف، ولما توارى من السلطان توارى عند إبراهيم بن هانئ، فكان يصوم النهار ويعجل الإِفطار، ثم يصلي بعد العشاء الآخرة ركعات، ثم ينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيتطهر، ولا يزال يصلي حتى يطلع الفجر، ثم يوتر بركعة، فكان هذا دأبه طول مقامه عنده، ما فتر ليلة واحدة، كذا ذكره ابن هانئ، ثم قال: وكنت لا أقوى معه على العبادة، وما رأيته مفطرًا إلا يومًا واحدًا أفطر واحتجم، فلا أعرف أحدًا أقوى على الصبر والزهد والعبادة وجهد النفس منه.
وقال عبد الله: رأيت أبي لما كبر وأسنَّ، اجتهد في قراءة القرآن وكثرة الصلاة بين الظهر والعصر، فإذا دخلت عليه انفتل من الصلاة، وربما تكلم وربما سكت، فإذا رأيت ذلك خرجت، ثم يعود إلى صلاته.
وقيل له: إنك تقف في أشياء من الفقه، هل بان لك فيها قول؟ فقال: هذا زمان مبادرة.