الجماعة أنْ على رِسْلِكُم، وقامَ ودخل الستْر ولم يلبث أنْ خرج، فجلس وتَقَدَّم بالقراءة، فدعا له ابنُ شافع والحاضرونَ، وقالوا: قد أزعجنا ذلك الصياح فإنْ رأى مولانا أنْ يُعَرِّفُنا سَبَبه، فقال الوزير: حتَّى ينتهي المجلس، وعاد ابنُ شافع إلى القراءة حتَّى غابت الشمس، وقلوب الجماعة متعلقةٌ بمعرفة الحال، فقال: كان لي ابنٌ صغيرٌ ماتَ حينَ سمعتم الصياحَ عليه، ولولا تَعَيُّن الأمرِ عليَّ بالمعروف في الإِنكار عليهم ذلك الصياح، لَمَا قمت عن مجلسِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فعجب الحاضرون من صبره. انتهى ملخصًا.
وقال ياقوت الحموي في "معجم البلدان": إنَّ الوزير عرضت عليه جاريةٌ فائقة الحُسن، وأُظْهِرَ له في المجلس من أدبها وجمالها، وحسن كتابتها، وذكائها، وظرفها ما أعجبه، فأمرَ فاشتريت له بمئة وخمسين دينارًا، وأمر أنْ يُهيَّأ لها منزلٌ، وجارية، وأنْ يُحمَل لها مِنَ الفرش والآنية والثياب ما تحتاج إليه، ثم بعد ذلك بثلاثة أيام، جاءه الذي باعها وشكا له ألم فراقها، فضحك وقال له: لعلك تريد ارتجاع الجارية؟ قال: إي والله، وهذا الثمن بحاله لم أتصرف فيه، وأبرزه، فقال الوزير: ولا نحن تصرفنا في المثمن، ثم قال لخادمه: ادفعِ الجارية إليه، وما عليها وجميع ما في حجرتها، ودفع إليه الخِرقة التي فيها الثمن، وقال: استعينا به على شأنكما، فأكثر من الدعاء له وأخذها وخرج.
وحكي عنه: أنه كان إذا مَدَّ السَّمَاط أكثر ما يحضره الفقراء والعُمْيان، فلما كان ذات يوم، وأكل الناس وخرجوا، بقي رجل ضرير يبكي ويقول: سرقوا متاعي وما أملكُ غيرَه، والله ما أقدر على ثمن مَداس، فقام الوزير من مجلسه ولبس مَدَاسه، وجاء إلى الضرير فوقف عنده، وخلع مَداسه، والضرير لا يعرفه، وقال له: البسْ هذا، وأبْصِره قَدْرَ رجلك؟ فلبسه، وقال: نعم كأنه مَداسي، ومضى الضرير ورجع الوزير إلى مجلسه، وهو يقول: سَلِمْتُ منه أن يقول: أنت سرقته.
وأخبار الوزير هذا كثيرة جدًا، وقد مدحه الشعراء فأكثروا، منهم الحيص بيص، وابن بختيار الأَبْلَه، وابن التَّعاوِيْذي، والعماد الكاتب، وخلقٌ كثير.