للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ)) (١).

٢ - مَرْتَبَةُ الصَّبْرِ: وَهُوَ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَ اللهُ عَلَيهِ مِنَ البَلَاءِ؛ وَأنَّهُ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ، وَقَدْ يَتَمَنَّى العَبْدُ زَوَالَهَا، كَمِثْلِ مَنْ ابْتُلِيَ بِمَرَضٍ وَيَعْلَمُ أنَّهُ لِحِكْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ؛ فَهُوَ رَاضٍ بِفِعْلِ رَبِّهِ (أَي بِتَقْدِيرِهِ) وَإِنْ كَانَ مُتَمَنِّيًا لِزَوَالِهِ -وَهُوَ المَقْدُورُ- (٢).

٣ - مَرْتَبَةُ الرِّضَا بِالمَقْدُورِ: فَهُوَ رَاضٍ بِالقَدَرِ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لِحِكْمَةٍ، وَأَيضًا هُوَ رَاضٍ بِمَا حَلَّ بِهِ -أَي: مِنَ المَقْدُورِ- غَيرُ مُتَمَنٍ لِزَوَالِ مَا أَصَابَهُ.

لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِأَسْبَابِ إِزَالَةِ المُؤْلِمِ! لِأَنَّ المَقْصُودَ هُوَ إِظْهَارُ مَحَبَّةِ مَا اخْتَارَهُ اللهُ لَكَ، لِأَنَّهُ نَاتِجٌ عَنْ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ وَرَحْمَةٍ (٣) (٤).

٤ - مَرْتَبَةُ الشُّكْرِ عَلَى المُصِيبَةِ: ووَجْهُهَا أَنَّه يَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنَّه لَمْ يَجْعَلْهَا فِي


(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (١٢٩٧)، وَمُسْلِمٌ (١٠٣).
(٢) وَهَذِهِ المَرْتَبَةُ تُسَمَّى أَحْيَانًا بِمَرْتَبَةِ الرِّضَا؛ وَلَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى -وَالَّذِي هُوَ المُقَارِنُ لِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلِهِ-، وَأَمَّا المَرْتَبَةُ التَّالِيَةُ فَهِي الرِّضَا بِالمَقْدُورِ -وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الخَيرُ وَالشَّرُّ-، وَهِيَ أَعْلَى مِنَ السَّابِقَةِ.
(٣) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ : "وَالفَرْقُ بَينَ الرِّضَا وَالصَّبْرِ: أَنَّ الصَّبْرَ كَفُّ النَّفْسِ وَحَبْسُهَا عَنِ التَّسَخُّطِ مَعَ وُجُودِ الأَلَمِ وَتَمَنِّي زَوَالِ ذَلِكَ، وَكَفُّ الجَوَارِحِ عَنِ العَمَلِ بِمُقْتَضَى الجَزَعِ.
وَالرِّضَا: انْشِرَاحُ الصَّدْرِ وَسَعَتُهُ بِالقَضَاءِ، وَتَرْكُ تَمَنِّي زَوَالِ ذَلِكَ المُؤْلِمِ وَإِنْ وُجِدَ الإِحْسَاسُ بِالأَلَمِ، لَكِنَّ الرِّضَا يُخَفِّفُهُ لِمَا يُبَاشِرُ القَلْبَ مِنْ رُوحِ اليَقِينِ وَالمَعْرِفَةِ، وَإِذَا قَوِيَ الرِّضَا؛ فَقَدْ يُزِيلُ الإِحْسَاسَ بِالأَلَمِ بِالكُلِّيَّةِ كَمَا سَبَقَ". جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (١/ ٤٨٨).
(٤) قُلْتُ: لَا سِيَّمَا إِنْ تَعَلَّقَ بِهَا مَا هُوَ خَيرٌ مِنْهَا، أَو مَا كَانَ مَذْمُومًا فِي نَفْسِهِ، فَالمَقْصُودُ هُنَا الابْتِلَاءُ بِالمُصِيبَةِ، كَمَا بَوَّبَ عَلَيهِ المُصَنِّفُ بِقَولِهِ (بَاب مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ الصَّبْرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ).
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِهِ زَادُ المَعَادِ (٤/ ٩): "فَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ فِعْلُ التَّدَاوِي فِي نَفْسِهِ، وَالْأَمْرُ بِهِ لِمَنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>