وقضية الرواية من كتب الغير قد تناولها الأئمة، وبَيَّنوا أن الرواة في ذلك ليسَوا على وتيرة واحدة، وأنه بينما يُقْبَلُ هذا الأمرُ من البعض، فربما سقط به آخرون، وربما أُعِلَّ به أحاديثُ قومٍ من الثقات ممن لم يبلغوا من الضبط ما بلغ مثل حماد بن أسامة.
فمثال الأول: قول الخطيب في بندار محمد بن بشار: "وإن كان يقرأ من كل كتاب، فإنه كان يحفظ حديثه". "تاريخ بغداد"(٢/ ١٠٤).
وقد قال الدارقطني في بندار:"من الحفاظ الأثبات". "تهذيب التهذيب"(٩/ ٧٣).
وقال الذهبي في "الميزان"(٣ / ت ٧٢٦٩): "ثقة صدوق، احتج به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب، كان من أوعية العلم".
ومثال الثاني: أقوام من الرواة أخذوا كتب الناس بغير سماع، فرووا ما فيها سرقةً وانتحالًا، انظر على سبيل المثال ترجمة عبد الله بن زياد بن سمعان.
ومثال الثالث: ما رواه أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر الحديث الذي رواه الأنصاري -وهو محمد بن عبد الله بن المثنى- عن حبيب ابن الشهيد، عن ميمون، عن ابن عباس:"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم"، فضعَّفَهُ، وقال: كانت ذهبت للأنصاري كُتُبٌ، فكان بَعْدُ يُحدثُ من كُتُبِ غلامه أبي حكيم، أُراه قال: وكان هذا من ذلك. اهـ. "تاريخ بغداد"(٥/ ٤١٠).
والأنصاري ثقة, ولكنه لم يكن مبرزًا في الحفظ، وكان قد غلب عليه الرأي، ولم يكن من فرسان الحديث. انظر "تهذيب الكمال"(٢٥/ ٥٤٢ - ٥٤٥).
والمقصود هنا أن مَنْ وَصَفَ أبا أسامة بالتدليس، إن كان بنى على قضية استعارته للكتب، فليس فيها أنه كان يروي منها ما لم يسمع مما ليس من حديثه، كما سبق بيانه،