للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[مسند عوف بن مالك رضي الله عنه]

١٠٣٠ - قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٦ ص ٢٦): حدثنا علي بن بحر قال حدثنا محمد بن حمير الحمصي قال حدثني إبراهيم بن أبي عبلة عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي قال حدثنا جبير بن نفير عن عوف بن مالك أنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فنظر في السماء ثم قال «هذا أوان العلم أن يرفع» فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد أيرفع العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله وقد علمناه أبناءنا ونساءنا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إن كنت لأظنك من أفقه أهل المدينة» ثم ذكر ضلالة أهل الكتابين وعندهما ما عندهما من كتاب الله عز وجل. فلقي جبير بن نفير شداد بن أوس بالمصلى فحدثه هذا الحديث عن عوف بن مالك فقال صدق عوف ثم قال وهل تدري ما رفع العلم قال قلت لا أدري قال ذهاب أوعيته قال وهل تدري أي العلم أول أن يرفع قال قلت لا أدري قال الخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعًا.

هذا حديث صحيحٌ.

وقد رواه النسائي في "الكبري" عن الربيع بن سليمان، عن ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عنه به. كما في "تحفة الأشراف".

[ص: ١٠٤] ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (ج ١ ص ١٢٣) فقال: حدثنا الربيع الجِيزِيُّ والحسين بن نضر البغدادي، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرني يحيى بن أيوب، حدثنا أبو سليمان إبراهيم بن أبي عبلة به.

فائدة:

إشكال حول هذا الحديث، وجوابه:

قال الطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار" (ج ١ ص ١٢٤): فأنكر منكر هذه الأحاديث، وقال: كيف يكون العلم يرفع في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأيامه هي الأيام السعدية التي لا أمثال لها، والوحي قائمًا كان ينزل عليه فيها، فمحال أن يكون العلم الذي ينزل فيها ويبقى في أيدي الناس ليبلغه بعضهم بعضًا إلى يوم القيامة كما أمروا به، فيكون ذلك مرفوعًا في تلك الأيام، لأن ذلك لو كان كذلك انقطع التبليغ، وبقي الناس في أيام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا علم، وكانوا بعده في خروجهم عنه أغلظ، وهذا يستحيل، لأن العلم إنما علم بأخذ خلف عن سلف، إلى يوم القيامة.

فكان جوابنا له في ذلك: أن هذا الحديث من أحسن الأحاديث وأصحها، وأن الذي فيه من نظر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى السماء ومن قوله عند ذلك: «هذا أوان يرفع فيه العلم» إنما هو إشارة منه إلى وقت يرفع فيه العلم، ويجوز أن يكون هذا وقت يكون بعده; لأن هذا إنما هو كلمة يشار بها إلى الأشياء، من ذلك قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (١) ليس يومكم فيه يوم أنزل ذلك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} (٢) ليس على شيء من يوم قيل له ذلك، في أمثال لهذا كثيرة في القرآن، فمثل ذلك ما في حديث عوف، قد يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما نظر إلى السماء أُرِيَ فيها الزمان الذي يرفع فيه العلم، فقال ما قال من أجل ذلك.

[ص: ١٠٥] ومما يدخل على ما ذكرنا من هذا، احتجاجه عليه الصلاة والسلام بضلالة اليهود والنصارى، وعند اليهود منهم التوراة، وعند النصارى منهم الإنجيل، ولم يمنعاهم من الضلالة، وإنما كان ذلك بعد ذهاب أنبيائهم صلوات الله وسلامه عليهم، لا في أيامهم، فكذلك ما تواعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم به أمته في حديث عوف هذا، يحتمل أن يكون بعد أيامه، وبعد ذهاب من تبعه وخلفه بالرشد والهداية، من أصحابه رضوان الله عليهم، ومن سائر أمته سواهم.


(١) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٣.
(٢) سورة ق، الآية: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>