وعلى كل، فالأوراق النقدية وأحكامها سواء كانت في الربا أو كانت في الزكاة، فيها بحث طيب نفيس لهيئة كبار العلماء في كتاب أبحاث هيئة كبار العلماء، بحثوا هذا الأمر وذكروا أقوال أهل العلم فيه، وناقشوه نقاشاً طويلاً، حتى وصلوا فيه إلى أن الأوراق النقدية يدخلها الربا وفيها الزكاة كذلك، وهو الصحيح إن شاء الله.
وغالباً تكون الأبحاث الجماعية أدق وأقوى، وإن كان لا يلزم لهم أن يرجّحوا الصواب دائماً، لأن الحجة في الإجماع لا في الكثرة.
ثم إن هذه الأبحاث قامت بعد استشارة خبراء في الأموال والأوراق، ثم نظروا في الأدلة الشرعية، ثم استخرجوا الأحكام منها.
قال المؤلف - رحمه الله -: (وأموال التجارة)
أي ولا زكاة في أموال التجارة - فهي معطوفة على التي قبلها: «ولا زكاة في غيرهما من الجواهر» -، فقال، لا زكاة في أموال التجارة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف تبعاً لبعض أهل الظاهر، لكن بعض العلماء قد نقلوا الاتفاق على أن أموال التجارة فيها زكاة، إلا أن هذا الإجماع فيه خلاف.
والصحيح عندنا أن عروض التجارة فيها زكاة.
والعُرُوض: جمع عَرَض أو عَرْض بفتح الراء أو بإسكانها.
وسميت عروض تجارة، لأنها تعرض وقتاً ثم تزول.
وهي كل ما أُعِدّ للبيع والشراء لأجل الربح.
وأخذ الزكاة منها واجب - خلافاً للمؤلف -، لأنها داخلة تحت عموم قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة}، وعروض التجارة أموال، وهي أغلب أموال التجار.
واستَدَلّ البخاري بحديث: «أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتُده في سبيل الله» (١) وهو عندي أصح دليل في هذه المسألة.
ووجه الدلالة في هذا الحديث، أن جامعي الزكاة جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكوا إليه أن خالداً لم يدفع زكاة ماله، ومال خالد هو عتاد وأدرع غنمها في الحرب.
(١) أخرجه البخاري (١٤٦٨)، ومسلم (٩٨٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.