والصحيح: أن الجالس إذا كان مستغرِقاً في النوم يخرج منه الريح وهو لا يشعر، وإن كان جالساً.
وبما أن النوم مَظِنة الحدث، فإذا نام بحيث لو انتقض وضوءه شعر بنفسه، فإن وضوءه باق، وإذا نام بحيث لو أحدث لم يشعر بنفسه، فقد انتقض وضوءه، وبهذا تجتمع الأدلة، وبهذه الطريقة جمع شيخ الإسلام ابن تيمية بينها.
وقد حصلت قصة طريفة مع أحد العلماء الذين قالوا بقول المصنف، فقد كان في مجلس وكان بجانبه أحد الطلبة نائماً فأخرج هذا الطالب ريحاً وهو جالس، فجاء وقت الصلاة، فقال هذا العالم لذاك الرجل: قم فتوضأ، قال له الطالب: - وهو يدرس عنده يعني أخذ مذهبه-: لقد كنت جالساً متمكناً، قال له: قُم فقد سمعت وشممت، وإني أُشهدكم أني رجعت عن قولي.
قال - رحمه الله -: (وأكْلُ لَحْمِ الإبِلِ)
وأكل لحم الإبل ينقض الوضوء، لحديث جابر بن سمرة، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:«إن شئت، فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ» قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:«نعم، فتوضأ من لحوم الإبل» قال أصلي في مرابض الغنم؟ قال:«نعم»، قال أصلي في مبارك الإبل؟ قال:«لا»(١).
فرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بين أكل لحم الغنم وأكل لحم الإبل، مما يدل على أن هذا الحديث جاء بعد نسخ الوضوء مما مسَّت النار.
وبعض أهل العلم يقول: الوضوء مما مست النار مرّ بمرحلتين:
المرحلة الأولى: كان واجباً عليهم أن يتوضأوا إذا أكلوا ما مسته النار، كاللحم مثلاً.
ثم بعد ذلك نسخ هذا الحكم، فجاء في الحديث أنه كان آخر الأمرين عدم الوضوء مما مسته النار.
فقال بعض أهل العلم هذا الأمر بالوضوء من لحم الإبل من المنسوخ.