للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرجل أو المرأة ليعمل بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيُضارّان في الوصية؛ فتجب لهما النار». ثم قرأ أبو هريرة {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ} [النساء/١٢] إلى قوله {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (١). أخرجه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف فيه شهر بن حوشب لا يحتج به لسوء حفظه.

وفي الآية المذكورة دليل على المراد.

وصح عن ابن عباس أنه قال: الإضرار في الوصية من الكبائر (٢).

قال الشوكاني: وقد روى جماعة من الإئمة الإجماع على بطلان وصية الإضرار.

إذن الوصية إذا كُتبت للإضرار بالورثة فهي باطلة؛ كمن يوصي مثلاً بماله للفقراء أو لجمعية خيرية، أو يوقف ماله كله عند الموت؛ للإضرار بالورثة، فمثل هذه الوصية تعتبر باطلة؛ لأنها وصية إضرار، وهذا محل إجماع كما نقل.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا لِوارِثٍ)

أي الوصية كذلك لا تصح لوارث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» (٣) أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما.

فإذا كان الشخص من الورثة فلا تصح الوصية له، نقل ابن المنذر وغيره الإجماع عليه.

فإذا كان الوالدان مثلاً لا يرثان فالوصية جائزة لهما بالإجماع.

لكن إذا كانا من الورثة ولهما إرث فهنا لا تجوز الوصية لهما.

فمَنْ كان من الورثة له نصيب في الإرث فلا تجوز الوصية له، ومن لم يكن له نصيب في الإرث فتجوز الوصية له للحديث الذي ذكرناه، والإجماع.

قال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع: وأجمعوا على أنه لا وصية لوارث إلا أن يجيز ذلك.

وأجمعوا أن الوصية لوالدين لا يرثان المرء، والأقرباء الذين لا يرثون؛ جائزة.

وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن الوصية لوارث لا تجوز.

قال المؤلف: (ولا في مَعصيةٍ)

كذلك لا تصح الوصية في معصية؛ لأن الوصية بالمعصية معصية، وقد نهى الله عباده عن معاصيته في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تجوز الوصية بالمعصية، كالوصية بالبناء على القبور أوبناء كنيسة، أو شراء الخمور أو الدخان، وما شابه.

قال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن الوصية بالمعاصي لا تجوز.

وقال: واتفقوا أن من أوصى بما لا يملك وبطاعة ومعصية؛ أن الوصية تنفذ في الطاعة وبما يملك، وتبطل في المعصية وفيما لا يملك.


(١) أخرجه أبو داود (٢٨٦٧)، والترمذي (٢١١٧).
(٢) أخرجه عبد الرزاق (١٦٤٥٦)، وابن أبي شيبة (٣٠٩٣٣) وغيرهما موقوفاً، وروي مرفوعاً ولا يصح، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني رحمه الله (٥٩٠٧).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٨٦٧)، والترمذي (٢١١٧).

<<  <   >  >>