فَهَل تَدْخُل في المهايأة أم لا؟. أما المقام الأول، فقد حكى الإمام فيه وجهين:
أحدهما: أنها من المؤن الدَّائِرَة؛ لأنها معلومة القدر والوقت، معدودة من وظائف السنة. وأصحهما: ولم يذكر الجمهور غيره: أنَّها مِنَ المؤن النَّادِرَة؛ لأن يوم العيد لا يتعين في السَّنة لاختلاف الأهلة، وبتقدير التعين فالشيء الذي لا يتفق في السَّنَةِ إِلاَّ مرة نَادِر، وأما الثَّاني فَفِيه وَجْهان مَشْهُوران:
أظهرهما: أنها تَدْخُل فِي المهايأة؛ لأن مَقْصُود المُهَاياة التَّفَاضَل والتمايز فليختص كل واحد منهما بما يتفق في نَوْبته مِنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ.
والثَّاني: لا تدخل؛ لأن النَّوادر مجهولة ربما لا تَخْطُر بالْبَالِ عِندِ التهايؤ فَلاَ ضرورة إلى إدخالها فيه، والوجهان جَارِيَانِ فِي الأكساب النَّادِرَةَ كصيد يصطاده العبد الذي ليس بُصَيَّاد، وكقبول هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ ونحوها فإن قلنا: بالأول فَجَمِيعُ الفِطْرَة عَلَى مَنْ وَقَع الهِلاَلُ فِي نَوْبَتِهِ.
وإن قلنا: بالثاني فهي مُشْتَركة بِحَسَبِ المِلْكِ أَبَداً ثم الْمُعْتَبَرُ فِي يَسَارِهِ أن يفضل الواجب، سواء كَانَ تَمَامَ الصَّاع أو بعضه عن قوت يومه وليلته إن لم يكن بَيْنَهُمَا مهايأة، وإن كَانَ بينهما مهايأة فَعَنِ القَدْرَ الذي يلزمه من قوت نفسه لا من الكُلِّ.
وليكن قوله في الكتاب: (وتجب عليه في نِصفِ العيد المشترك) معلَّماً باَلْحَاء وَالْمِيم لما ذكرناه ولو قال: وتجب فطرة العبد المشترك بدل ما ذكره لكان أحْسَنَ، ولا يستغنى عن التعرض للنّصف. وقوله: (فوقع الهلال) جواب على أَصَحِّ الأَقْوَالِ وهو أن وقت الوجوب الاستهلال.
وقوله: (لأف خرج نادراً) جوابٌ على الأصح في عدها من النَّوادر، وليكن مُعَلَّماً بِالوَاوِ لِلْوَجْهِ السَّابِق، ولا يخفى حاجة الصورة الأولى إلى الاستثناء.
وأما الثانية: فإنما يَصِح استثناؤها عَلَى قولنا: إن الفطرة لا تدخل في المهايأة، لأنهما حينئذٍ يَشْتَرِكَانِ في الفِطْرَة دون النَّفَقَةِ فتفارق الفطرة النفقة.
قال الغزالي: السَّادِسةُ العَبْدُ المَرْهُونُ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَفِي المَغْصُوبِ وَالضَّال والآبِقِ طَرِيقَانِ قِيلَ: تَجِبُ وَقِيلَ قَوْلاَنِ كَسَائِرِ الزَّكَواتِ، وَلَوِ انْقَطَعَ خَبَرُ العَبْدِ الغَائِبِ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ فِطْرَتِهِ وعَلَى أَنَّ عَتْقَهُ لاَ يُجْزِئُ عَنِ الكَفَّارَةِ، وَقِيلَ قَوْلاَنِ فِي المَسْئلَتَينِ لِتَقَابُلِ الأَصْلَيْنِ، وَقِيلَ بِتَقْرِيرِ النَّصَّينِ مَيْلاً إلَى الاحْتِيَاطِ فِيهِمَا.
قال الرافعي: المُدَبَّرُ والمُعَلَّق عِتْقُه بِصِفَةٍ، وأم الولد كالقِنِّ في وجوب الفطرة، وتجب فِطْرة العَبْدِ المَرْهُون، والجَانِي والمُسْتَأْجِر لِوُجُودِ المِلْكِ، وَوُجُوبِ النَّفقة.