قال الإمام والمصنِّف في "الوسيط": هكذا أطلقوا القول في المَرْهُون، ويحتمل أن يجري فيهَ الخلاف المذكور فِي زكاة المال المرهون.
واعلم: أن الخِلاف في زَكَاةِ المَالِ المرهون لم نَلْقَه إِلاَّ فِي حِكَايَةِ هَذَيْنِ الإِمَامَيْنِ، والجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الوُجُوبَ ثُمَّ أَيْضًا.
وأما المَغْصُوبُ والضَّالُّ فَفِي فِطْرَتِهِ طريقان:
أحدهما: أَنَّه على القَوْلَيْنِ فِي زَكَاةِ المَالِ المَغْصُوبِ.
وَطَرَدَ ابنُ عَبْدَانَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الخِلاَفَ فِيمَا إِذَا حِيلَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الاسْتِهْلاَلِ.
وَأَصَحُّهُمَا: القَطْعُ بِالْوُجُوب اتباعاً لِلفِطْرَة النفقة، ويخالف زَكَاة المال، فإنَّ المَالِيَّة مُعْتَبرةٌ فِيهَا، وهي غير معتبرة هاهنا، ألا تَرَى أنه تَجِب فِطْرَة الزَّوجَةِ، والقَرِيب مع انتفاء المالية، فلأن تَجِب عِنْدَ ضَعْفِهَا كان أَوْلَى، ولهذا وَجَبَتْ فِي المستولدة.
وأما العبد الغَائِب، فَإنْ علم حياته، وكان في طَاعَتِهِ، وجبت فِطْرَتُه، وإن كَانَ آبقاً فَفِيه الطريقان في المَغْصُوب، وللخلاف فيه مأخذٌ آخر حَكَاه الإِمَامُ، وهو أن إباق العَبْدِ هَلْ يَسْقُطُ نفقته كَنُشُوزِ الزَّوْجَةِ أَمْ لاَ؟ وفيه خِلاَف، فَإِن أسقطها أسقط الفِطْرة أيضاً، وإن لم يعلم حياته، وانقطع خَبَرُهُ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفاق ففي فطرته طريقان:
أحدهما: أَنَّهَا تَجِب بلا خلاف، وبه قال أبو إسحاق.
والثاني: أنه على القَوْلَين، وفي كَيْفِيَّتِهَا طَرِيقان:
أحدهما: أنهما قَوْلاَن مَنْصْوصَانِ، وذكل أن المُزَنِي روى في "المختصر" أنه قال: ويزكي عن عبيده الحضور، والغُيَّب، وإن لم تُرْجَ رَجْعَتُهم؛ إذَا عَلِم حَيَاتَهُم، قال: وقال في موضع آخر، وإن لم يعلم حياتهم، فَشَرَطَ العِلْمَ بالَحَيَاة فِي قول، وأطلق الوُجُوبَ فِي قَول، عَلِمَ أَوَ لَمْ يَعْلَم.
والثاني -وهو المذكور في الكتاب-: أن سَبَبَ خُرُوجِ القَوْلَين أَنَّه نص هاهنا على لزوم الفِطْرة، وفي الكفارة على أن إعتاق مِثْل هذا العبد لا يجزئ فنقل الجواب من كل مسألة إلى الأُخْرَى، وَجَعَلْنَا على قولين بالنَّقْلِ والتخريج وجه وجوب الفِطْرَة والإجزاء عَنِ الكَفَّارة، أن الأصلَ بَقَاؤُه.
وَوَجه عدمِ وُجُوبِهَا وعدم الإجزاء أن الأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عن واجب الفِطْرَة واستمرار شغلها بواجب الكفارة إلى يقين الإِعْتَاق قال القاطعون بالوجوب؛ أما منقول المُزَنِي فلا اخْتِلاَف فيه، إلا أنه أجاب في النَّصِّ الأول في إِحْدَى المسأَلَتَيْن دون الأُخْرَى، والاحتجاج بالمفهوم ضَعِيف؛ وَأَمَّا فصل الكفارة فالنصان مقرران.