عنهما-: أنه كان يتوضأ في سوق المدينة، فدُعِيَ إلى جنازة، وقد بَقِيَ من وضوئه فرض الرجلين، فذهب معها إلى المُصَلَّى، ثم مسح خفيه وكان لابساً ولأن أفعال الوضوء يجوز أن يتخلَّلها الزمان اليسير، فكذلك الزمان الكثير بخلاف الصلاة. ثم لجريان القولين شرطان، وإن أطلق في الكتاب.
أحدهما: أن يهمل الموالاة بتفريق كثير، أما التفريق اليسير فلا يقدح بلا خلاف، سواء كان بعذر، أو بغير عذر، والتفريق الكثير أن يمضي من الزمان ما يَجِفّ فيه المَغْسُولُ مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص، ولا عبرة بحال المَحْمُومِ، ولا بتباطُؤ الجفاف؛ بسبب بُرُودَةِ الهواء، ولا بتَسَارُعِهِ بسبب الحرارة.
وقيل: يؤخذ الكثير والقليل من العادة.
وقيل: إذا مضى قدر ما يمكن فيه إتمام الطهارة فقد كثر التفريق، واعتبار مدة التفريق من آخر الفعل المأتي من أفعال الوضوء، حتى لو غسل وجهه ويديه، ووقع فصل، ثم مسح رأسه، قبل جفاف ماء اليدين لم يضر، وإن جف الماء على وجهه.
وإذا غسل ثَلاثاً، فالاعتبار من الغسلة الأخيرة.
الشَّرْط الثاني: أن يكون التفريق الكثيرة بغير عذر، أما إذا كان بعذر فلا يضر، ولا يعود فيه القول القديم.
قال المسعودي: لأن الشافعي -رضي الله عنه- جوز في القديم تفريق الصلاة بالعُذْرِ، فإنه إذا سبقه الحدث يتطهر، ويبني، ففي الطهارة أولى، والعذر كما إذا نفد ماؤه، فذهب لطلبه، أو خاف من شيء فهرب، وهل النسيان من الأعذار؟ فيه وجهان، للشيخ أبي محمد:
والأظهر: أنه من الأعذار، ومنهم من طرد القولين في التفريق بالعُذْر أيضاً، والأكثرون على الأول، وَحُكِيَ عن نص الشافعي -رضي الله عنه- ما يدل عليه وإذا عرفت موضع القولين، فنقول: إذا فرعنا على القديم وفرق وجب عليه الاستئناف.
وإن فرعنا على الجديد، فله البناء، ثم إن كان مستديماً للنية فذاك، وإن لم يكن فهل يحتاج إلى تجديد النية؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأن استيفاء النية حكماً خلاف الحقيقة، إنما يصار إليه عند تواصل الأفعال.
وأظهرهما: لا؛ لأن التفريق إذا كان جائزاً كانت النية الأولى كافية، ألا ترى أن الحج إذا جاز فيه التفريق كَفَتِ النية الأولى فيه.
قال الغزالي: وَأَنْ لاَ يَسْتَعِينَ فِي الوُضُوءِ بِغَيْرِهِ، وَأَنْ لاَ يُنَشِّفَ الأَعْضَاءَ فَهِيَ سُنَّةٌ