للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الحَجِّ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ لِلتَّرَدُّد فِي تَشْبِيهِ العُمْرَةِ بِاليَمِينِ مَعَ الحِنْثِ فَإنَّهُ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ.

قال الرافعي: لما فرغ من القول في تصوير التمتع والشَّرائط المرعية فيه، أراد أن يتكلم في وَقْتِ وجوب الدَّم، وفي بدله وما يتعلق بهما، والمتمتع يَلْزُمُهُ دَمْ شَاةٍ إذا وجب، وبه فسر قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (١).

وصفته صِفَة شَاةِ الأضْحِيَةِ، ويقوم مقامه السُّبُعُ مِنَ البَدَنَةِ والبَقَرَةِ، ووقت وجوبه الإحرام بالحَجِّ، وبه قال أبُو حَنِيفة -رحمه الله-؛ لأنه حينئذٍ يصير متمتعاً بالعُمْرة إلى الحَجِّ. وعن مالك -رضي الله عنه-: أنه لا يجب حتى يرمي جَمرَةَ العَقَبَةِ فيتم الحَجَّ، وإذا وَجَبَ جاز إراقته، ولم يتأقت بوقتٍ كسائر دِمَاءِ الجبرانات إلا أن الأفضل إراقته يوم النحر.

وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله-: لا يجوز إراقته إلاَّ يَومَ النَّحْرِ، وهل يجوز إراقته قَبْلَ الإحْرَامِ وبعد التَّحَلُّلِ مِنَ العُمْرةِ؟ فيه قولان، وقيل: وجهان:

أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز الصَّوْمُ في هذه الحالة، وهذا لأن الهدي يتعلق به عمل البدن، وهي تفرقة اللَّحْمِ، والعبادات البدنية لا تقدم على وقت وجوبها.

وأصحها: الجواز؛ لأنه حَقٌّ مَالي تعلق بسببين وهما: الفراغ من العمرة والشروع في الحج، فماذا وجد أحدهما جاز إِخْرَاجُهُ كَالزَّكَاةِ والكَفَّارَةِ.

وقوله: (للتردد في تشبيه العمرة باليمين مع الحنث بها أحد السببين.

معناه: أن أحد القولين مُوَجَّهٌ بتشبيه الفَرَاغِ من العُمْرَةِ، والشّروع في الحَجِّ باليمين مع الحنث، ومن نصر القول الثاني ينازع في هذا التشبيه، ويقول: الكفارة متعلقة باليمين منسوبة إليها، والدم ليس متعلقاً بالعُمْرَة وإنما هو متعلق بالتَّمَتُّعِ مِنَ العُسْرَة إلى الحَجِّ، وهو خَصْلَة واحدة، فإن فرعنا على جَوَازِ التقدم على الإحْرَامِ بالْحَج، فهل يجوز التقديم على التَّحَلُّلِ من العمرة؟ فيه وجهان:

أصحهما: المنع؛ لأن العُمْرة أحد السببين فلا بد من تمامه كما لا بد من تمام النِّصَاب في تعجيل الزَّكَاةِ، ومنهم من قطع بهذا ونَفَى الخلاف، ولا خلاف في أنه لا يجوز اَلتقديم على الشُّروعِ فِي العُمْرَة.

قال الغزالي: وَأَمَّا المُعْسِرُ فَعَلَيهِ صِيَامُ عَشَرَةٍ أَيَّامٍ، ثَلاَثةٌ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الإحْرَامِ وَقَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلاَ تُقَدَّمُ (ح) عَلَى الحَجِّ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، وَلاَ يَجُوزُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ


(١) سورة البقرة، الآية ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>