يمتد الليلة على ما سبق. إن قلنا: بالتدارك فتدارك هو قضاء أو أداء؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه قضاء؛ لمجاوزته الوَقْتَ المَضْرُوب له.
وأظهرهما: أنه أداء، ولولاه لما كان للتدارك فيه مدخل كما لا يتدارك الوقوف بعد فواته. التفريع إن قلنا: أداء فجملة أيام مِنَى في حكم الوَقْتِ الوَاحِدِ، وكل يوم للقدر المأمور به فيه وقت اختيار كأوقات الاختيار للصَّلَوَاتِ، ويجوز تقديم رمي يوم التَّدارك على الزَّوَالِ.
ونقل الإمام -رحمه الله- أن على هذا القولِ لا يمتنع تقديم رَمْي يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ لكن يجوز أن يقال: أن وقته يتسع من جهة الآخر دون الأول، فلا يجوز التَّقْدِيم (١).
وإن قلنا: إنه قضاء فتوزيع الأقدار المعينة على الأيام مستحق، ولا سبيل إلى تقديم رَمْيِ يَوْمٍ إلى يَوْمٍ ولا إلى تَقْدِيمِهِ على الزَّوَالِ، وهل يجوز بالليل؟ فيه وجهان:
أصحهما: نعم؛ لأن القضاءَ لا يَتَأَقَّتُ.
والثاني: لا؛ لأن الرمي عبادة النَّهَارِ كالصوم، وهل يجب الترتيب بين الرَّمْيِ المتروك ورمىِ يوم التدارك؟ فيه قولان: ويقال وجهان:
أصحهما: نعم، كما يجب الترتيب في المكان على ما سيأتي.
والثاني: لا، لأن الترتيب لِحَقِّ الوقت فيسقط بخروج الوقت والوجهان عند الأئمة -رحمهم الله- مبنيان على أن المفعول تداركاً قضاء أم أَدَاءٌ، إن قلنا: أداء اعتبرنا الترتيب، وإن قلنا: قضاء فلا ترتيب كترتيب قضاء الصلوات الفائتة.
التفريع: إن لم نوجب الترتيب فَهل يَجِب على أصْحَاب الأعْذَارِ كالرعاة؟ فيه وجهان، قال في "التتمة" ونظيره أن من فاته الظُّهْرَ لا يجب عليه الترتيب بينه وبين العصر، ولو أخر الظُّهْرِ بِسَبَبٍ يجوز الجمع ففي الترتيب وجهان:
ولو رمى إلى الجمرات كلها عن اليوم قبل أن يرمي إليها عن أمْسِه أجزأه، إن لم نوجب الترتيب؛ وإن أوجبناه فوجهان: أصحهما: أنه يجزئه ويقع عَنِ القَضَاءِ؛ لأن مَبْنَى الحَجِّ على تقديم الأولى فالأولى.
والثاني: لا يجزئه أصلاً وزاد الإمام -رحمه الله- فقال: لو صرف الرمي في قصده إلى غير النُّسُكِ، كما لو رمى إلى شَخْصٍ أو دابة في الجمرة، وفي انصرافه عن النُّسك الخلاف المذكور في الطواف فإن لم ينصرف وقع عن أمسه ولغى قصده، وإن
(١) قال النووي: الصواب الجزم بمنع التقديم، وبه قطع الجمهور تصريحاً ومفهوماً. ينظر الروضة (٢/ ٣٨٨).