للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتِظَار العِتْقِ، ولأن منافعه مستحقة للسيد، وقد يريد استعماله فيما يمنع منه المحرم كالاصطياد وإصلاح الطّيب، فيتضرر ببقاء الإحرام، وحكم أم الولد والمُدَبّر والمعلق عتقه بصفة، وَمَنْ نصفه حُرّ حُكْم القِنِّ المَحْض، ولو أحرم المُكَاتب بغير إذن المولى، فمنهم من جعل جواز تحليله على قولين بناء على القولين في سَفَرِ التجارة، وهل يمنعه السَّيد منه؟ ومنهم من قطع بجواز التحليل؛ لأنه لا منفعة للسَّيِّد في سفر الحج، وله منفعة في سفر التجارة، وقوله في الكتاب: "فللسيد منع عبده"، أي من إتمام الحج ويجوز أن يُعَلَّم بالواو؛ لأن ابن كج حكى وجهاً غريباً: أنه ليس للسيد ذلك لتعينه بالشروع تخريجاً من أحد القولين في الزَّوجة إذا أحرمت بالتطوع، وأن يُعَلَّم قوله: "بغير إذنه" بالحاء. لأن أبا حنيفة -رحمه الله- يُجَوز المنع على الإطلاق؛ فلا حاجة عنده إلى التقييد، وقوله: تحلل كالمحصر إن أراد التشبه في جواز التحلل فذاك، وإلاَّ ففي الكيفية تفاوت لا يخفي ما قدمناه.

قال الغزالي: الرَّابِعُ الزَّوْجِيَّةُ، وَفِي مَنْعِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مِنْ فَرْضِ الحَجِّ (م ح) قَوْلاَنِ، فَإذَا أَحْرَمَتْ فَفِي المَنْع قَوْلاَنِ مُرَتَّبَانِ، وَكَذَا إنْ أَحْرَمَت بِالتَّطَوُّعِ، فَإِنْ مُنِعَتْ تَحلَّلَتْ كَالمُحْصِرِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَلِلزَّوْجِ مُبَاشَرَتُهَا وَالإِثْمُ عَلَيْهَا.

قال الرافعي: المستحب للمرأة أن لا تحرم دون إذن زَوْجِها وللزوج أن يحج بها، فإذا أرادت أداء فرض الحج عليها، فهل للزوج أن يمنعها منه؟ فيه قولان:

أحدهما: لا، ولها أن تحرم بغير إذنه؛ لأنه عبادة مفروضة فأشبهت الصوم والصلاة المفروضين، ويحكى هذا عن كتاب اختلاف الحديث، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله-.

وأصحهما: أن له المنع، لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِي امْرَأَةِ لَهَا زَوْجٌ، وَلَهَا مَالٌ، وَلاَ يَأْذَنُ لَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَجِ، لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِقَ إِلاَّ بإذْنِ زَوْجِهَا" (١). ولأن الحج على التَّراخي، وحق الزوج على الفور فكان أولى بالتَّقديم ويخالف الصوم والصلاة؛ لأن مدتهما لا تطول، فلا يلحق الزوج كثير ضرر.

وحكى بعضهم طريقة قاطعة بالقول الأول، والمشهور الأول، فإن قلنا: ليس له منعها، فلو أحرمت بغير إذنه فليس له أن يحللها بطريق الأولى لتضيقه بالشروع.

وإن قلنا: له منعها في الابتداء، ففي التحليل قولان:


(١) أخرجه الدارقطني (٢/ ٢٢٣) والطبراني في الصغير (٥٨٢) والبيهقي (٥/ ٢٢٣) من رواية ابن عمرو في إسناده مجهول، وهو العباس بن محمد بن شافع، انظر التلخيض (٢/ ٢٨٩ - ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>