ولو رأى أنموذجاً وبنى أمر البَيْع عليه نظر إن قال: بعتك من هذا النوع كذا فهو باطل؛ لأنه لم يعيّن مالاً ولا راعي شرط السَّلم، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السَّلم على الصَّحيح؛ لأن الوصف اللفظ يمكن الرجوع إليه عند الإِشْكَال.
ولو قال: بعتك الحِنْطَة الَّتي في هذا البيت، وهذا الأنموذج منها، نظر إن لم يدخل الأنمُوذَج في البيع ففيه وجهان:
أحدهما: صحة البيع، تنزيلاً له منزلة اسْتِقْصَاء الوصف.
وأصحهما: المنع؛ لأن المبيع غير مرئي، ولا يشبه استقصاء الوصف لما ذكرنا في السَّلم، وإن أدخله في البيع فعن القَفَّال وغيره: القَطْع بالصِّحّة كَمَا لَوْ رأى بعض الصُّبْرَة.
وعن بعض الأئمة القطع بالمنع قال إمام الحرمين: والقياس ما قاله القَفَّال، ولا يخفى أن مسألة الأنموذج إنما تفرض في المُتَمَاثِلاَت (١).
وإن كان ذلك الشَّيء مما لا يستدلُّ برؤية بعضه على البَاقي، نظر إن كان المرئي صُوَاناً للباقي كقشر الرُّمَّان والبَيْض كفى رؤيته، وإن كان معظم المقصود مستوراً؛ لأن صلاحه في إبقائه فيه.
وكذا لو اشترى الجُوز واللّوز في القِشْرة السُّفلى، ولا يصح بيع اللّبِّ وحده فيها، لا على القول الذي يفرع عليه ولا على القول الآخر؛ لأن تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر، وفيه تغيير عين المبيع.
ولو رأى المبيع من وراء قَارُورَةٍ هو فيها لم يكف؛ لأن المعرفة التَّامَّة لا تحصل به، ولا يتعلّق صلاح بكونه فيها، بخلاف السَّمك يراه في الماء الصَّافي يجوز بيعه، وكذا الأرض يعلوها ماء صاف، لأن الماء من صلاحها ولا يمنع معرفتها، وإن لم يكن كذلك لم تكف رؤية البعض على هذا القول وأَمَّا على القول الآخر ففيه كلام موضعه الفَصْل الذي يلي هذا الفصل.
واعلم أن الرؤية كل شيء على حسب ما يليق به، ففي شراء الدّار لا بد من رؤية البيوت والسُّقُوف والسُّطُوح والجُدْرَان داخلاً وخارجاً، ومن رؤية المُسْتَحم والبَالُوعة، وفي البُسْتَان من رؤية الأشجار والجُدْرَان ومسايل الماء، ولا حاجة إلى رؤية أساس البُنْيَان وغيره من الأشجار ونحوه.
(١) مراده بالمتماثلات المتساوي الأجزاء كالحبوب ونحوها لا المثلي كما توهمه ابن الرفعة. نبه عليه الأذرعي.